من محراب في كنيسة واحرقوه لأن وجهه كان متجهاً إلى ما ظنوه ناحية الجلف، وفي برجامو الجبلينية اغتال مضيفون بعض ضيوفهم من الكلبريين لأنهم تبينوا من اسلوب أكلهم الثوم أنهم من الجلف (٦٠). وبعث ضعف الأفراد وخور عزيمتهم، واضطراب الأمن بين الجماعات، وخداع الغرور، بعث هذا في النفوس دوام الخوف، والارتياب، والكراهية، واحتقار المخالفين، والأجانب، والأغراب.
ونشأت دولة- المدينة الإيطالية من هذه العقبات القائمة في سبيل الوحدة، فلم يكن الناس يفكرون إلا في مدينتهم، ولم يكن أحد يفكر في إيطاليا بوصفها وحدة وكُلاًّ إلا قليل من الفلاسفة أمثال مكيفلي Machiavelli أو شاعر مثل بترارك، وكان تشليني في القرن السادس عشر نفسه يشير إلى أهل فلورنس بقوله إنهم "رجال من أمتنا " وإلى فلورنس بأنها: "وطني ". وكان بترارك، الذي تحرر بفضل إقامته بالبلدان الأجنبية من الوطنية المحلية الضيقة يأسف لهذه الحروب التافهة، والانقسام المتفشي في بلده، وتوسل في أنشودة بليغة عنوانها: بلادي إيطاليا إلى أمراء إيطاليا أن يهبوها السلم والوحدة:
أي بلادي إيطاليا! - وإن كانت الألفاظ لا تجدى
في اندماج الجروح المتنسرة
التي لا يحصى عديدها، والتي تمزق صدري،
بيد أنه قد يخفف من آلامي
أن أتغنى بأحزان التيبر
وبالمظالم التي حلت بلآرنو حين أطوف وأنوح
بشواطئ البو المحزنة أترنم بقصائدي …
ويلاه! أليست هذه هي الأرض التي وطئتها قدمي أول ما وطئت؟