فضل في التمهيد إلى النهضة: لقد كان كلاهما لا يزال أسيراً لأفكار العصور الوسطى. وكان القَصّاص العظيم في عنفوان شبابه يسخر من فساد أخلاق رجال الدين واتجارهم بمخلفات القديسين، ولكن ىلاف الآلاف من رجال العصور الوسطى ونسائها كانوا يفعلون فعله، وقد اصبح أكثر استمساكاً بالدين واصطباغاً بصبغة العصور الوسطى في الأيام التي أخذ يدرس فيها اللغة اليونانية. وكان بترارك يصف نفسه بحق بأنه واقف بين عهدين (٦٣). وكأنه بهذا كان يتنبأ بما سوف يكون. فقد كان يقبل قواعد الكنيسة التحكمية في الوقت الذي كان يشن فيه حرباً شعواء على أخلاق بابوات أفنيون، وكان يحب الآداب القديمة في أواخر عصر الأيمان، كما كان جيروم Jerome يحبها في بدايته، وكان في قرارة نفسه غير راض عن هذا الحب. وكتب في العصور الوسطى مقالات ممتازة في احتقار العالم الدنيوي وفي السلم المقدسة التي تنبعث من الحياة الدينية. لكنه رغم هذا كان أكثر وفاء للآداب القديمة منه للورا Laura. وكان يبحث عن المخطوطات القديمة ويعتز بها، ويلهم غيره بأن يحذو في ذلك حذوه، وقد بز جميع المؤلفين في العصور الوسطى تقريباً عدا أوغسطين في العمل على عدم انقطاع الصلة بالأدب اللاتيني، وصاغ عباراته وأسلوبه على مثال فرجيل وشيشرون، وكان يفكر في ذيوع شهرته أكثر مما يفكر في خلود نفسه. وقد أثمرت قصائده مائة عام من الأغاني المصطنعة المتكلفة في إيطاليا، ولكنها اعانت على تشكيل أغاني شكسبير. وانتقلت روحه الحماسية من بعده إلى بيكو Pico كما انتقل اسلوبه المصقول إلى بولتيان، وكانت رسائله ومقالاته بمثابة قنطرة من الدماثة والرشاقة بين سنكا ومنتاني، واكتمل توفيقه بين العهود القديمة والمسيحية في البابا تقولاس الخامس والبابا ليو العاشر. وملاك القول أنه كان بحق أبا النهضة في تلك الأيام.