إدراكهم الخاص للجمال، فسموا بالتفكير وبالشكل سمواً لم نر له نظيراً قط.
لهذا نقول دون أن نخشى الزلل إن جميع قواعد النهضة قد وضعت قبل أن يموت بترارك. وكان النماء العجيب في تجارة إيطاليا وصناعتها، واستئثارهما بجانب كبير من نشاط اهلها، قد كدسا الثروة التي أمدت الحركة بالمال، كما كان الانتقال من سلم الريف وركوده إلى حيوية المدن ونشاطها سبباً في خلق المزاج الذي غذى هذه الحركة. أما الأساس السياسي فقد قام على حرية المدن وتنافسها، والقضاء على الأرستقراطية المتعطلة، وقيام الأمراء المتعلمين، والطبقة الوسطى القوية. وأما الأساس الأدبي فقد مهد له تحسن اللغات القومية، والتحمس إلى الكشف عن الآداب اليونانية والرومانية القديمة ودراستها. وكان الأساس الأخلاقي قد وضع هو الآخر: فقد أخذ ازدياد الثروة يحطم القيود الأخلاقية القديمة، وشجع الاتصال بالبلاد الإسلامية عن طريق التجارة والحروب الصليبية نزعة التسامح في الانحراف بالقواعد الدينية والاخلاقية عن المعتقدات والأساليب التقليدية. وكان لإعادة الكشف عن العالم الوثني ذي الحرية النسبية في التفكير السليم نصيب في تحطيم عقائد العصور الوسطى ومبادئها الأخلاقية، ولهذا كله تقهقر الاهتمام بالحياة الآخرة أمام المشاغل الزمنية، البشرية، الدنيوية. ونما الإحساس بالجمال نماء مطرداً، فقد خلفت ترانيم العصور الوسطى، والقصص الغرامية المتتالية، وأناشيد شعراء الفروسية الغزلين، وأغاني دانتي ومن سبقه من الشعراء الإيطاليين، والتصوير المنسجم الذي يطالع الإنسان في المسلاة الإلهية، كل هذا خلف وراءه تراثا من الفن الأدبي، كما أن النماذج الأدبية اليونانية واللاتينية القديمة قد نقلت إلى بترارك رقة في الذوق والتفكير، وصقلا وتأدبا في الحديث وفي الأسلوب،