المثال مثلاً أعلى للملك الفيلسوف، بل صوره رجلا تتمثل فيه طبيعة عصره، قاسياً، غير هياب، وقوياً. ذلك هو تمثال جتاميلاتا Gattamelata قائدمدينة البندقية المشهور باسم «القط المعسول». ولسننا ننكر أن جسم الجواد الغاضب، الذي يقذف بالزبد من فيه أكبر من أن يتناسب مع ساقي راكبه، وأن الحمام يلوث في كل يوم الرأس الأصلع للزعيم الفاتح المغامر، ولكن وقفة التمثال تدل على الزهو والقوة كأن ما كان يتوق إليه مكيفلي من حب الناس للفن قد امتزج هنا مع البرنز المصهور ليكسب تمثال دونالتو القوة والصلابة. وكانت بدوا تنظر في دهشة وتمجيد إلى تمثال هذا البطل الذي أنقذه دوناتلو من النسيان والفناء، ووهبت الفنان ١٦٥٠ دوقة ذهبية (٤١. ٢٥٠ دولاراً) في نظير الست السنين التي قضاها في الكدح المتواصل، وطلب إليه أهلها أن يتخذ مدينتهم وطناً له، ولكنه رفض ذلك العرض في نزوة من نزواته، فقد رأى فنه لا يمكن أن يرقى في بدوا حيث يثنى جميع الناس عليه، ولهذا فإن من واجبه لخير الفن أن يعود إلى فلورنس حيث ينتقده جميع أهلها.
والحق إنه عاد إلى فلورنس لأن كوزيمو كان في حاجة إليه، ولأنه كان يحب كوزيمو، لأن كوزيمو كان يفهم الفن، ويعهد إليه بأعمال تدل على الفطنة، ويجزيه عليها الجزاء الأوفى، وقد بلغ الوفاق بينهما حداً يستطيع معه دونالتو أن «يدرك ما يرغب فيه كوزيمو من أقل إشارة تبدر منه»(٤٤). وقد أخذ دونالتو بإيحاء كوزيمو بجميع القديم من التماثيل، والتوابيت، والعقود المعمارية، والعمد، وتيجانها، ويضعها كلها في حديقة آل ميديتشي لكي يدرها الناشئون من الفنانين. وأنشأ دونالتو بمعاونة ميكلتسو استجابة لرغبة كوزيمو قبراً في مكان التعميد للبابا المطرود يوحنا الثالث والعشرين اللاجئ إليه. ونحت لكنيسة سان لورندسو كنيسة كوزيمو المحبوبة منبرين زينهما بنقوش برنزية، ومن هذين المنبرين وغيرهما كان سفنرولا فيما بعد