للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخذت الحسناء تسير بين المغنيين،

وقد انتظمت خطاها ونسقت على وقع الأنغام الشجية

وأرسلت إلىَّ من عينيها خلسة،

وهما لا تكادان ترتفعان عن بساط الحقل،

شعاعاً قدسياً مختلساً

وكأن شعرها قد دبت فيه الغيرة مني،

فسد طريق هذا الشعاع الوضاء وحجبه عن ناظري

ولكنها، وهي التي ولدت ونشأت في السموات العالي لتثني عليها الملائكة الكرام،

لم تكد ترى هذا الظلم حتى رفعت بأنقى يد وأنصعها

غدائرها العاصية، وتبدت لي بطلعتها الرقيقة الحلوة،

ثم أرسلت من عينيها نظرة حادة ملتهبة

من نظرات الحب القوية، وقعت على عيني فألهبتها،

حتى لم أدر كيف نجوت من الاحتراق بذلك اللهيب (١٩)

وانشأ بوليتيان في حب معشوقته إبوليتا ليونتشينا Ippolita Leoncina أغاني غرامية أوفت على الغاية في الرقة والحنان، ثم أطلق العنان للأنغام التي كان يفيض بها قلبه فأنشأ أغاني مثلها يتخذ منها أصدقاؤه رقى يتخلصون بها من حيائهم. ولم يفته حفظ أقاصيص الفلاحين الشعرية، فلما حفظها صاغها من جديد في صورة أدبية مصقولة، ثم انتقلت في صورتها الجديدة إلى الشعب وذاعت بين أفراده، ولا تزال لها أصداء تتردد في تسكانيا إلى يومنا هذا، وقد وصف في قصيدته حبيبتي السمراء فتاة ريفية حسناء تغسل وجهها وصدرها عند ماء، وتتوج شعرها بالأزهار «وكان ثدياها كورد الربيع، وشفتاها حمراوين كالورد»، وذلك بوصف قديم لا يمل الإنسان سماعه. وأراد بوليتيان أن يؤلف من جديد بين التمثيل،