كما أن صور مناظر فيروتشيو الطبيعية القائمة تنبئ مقدماً بالصخور القاتم والمجاري الخفية الغامضة التي نشاهدها في آيات ليوناردو الخيالية الحالمة.
وأكبر الظن أن ثمة كثيراً من الخيال في القصة التي يرويها فاساري عن فيروتشيو ويقول فيها إنه لما رأى صورة الملاك التي رسمها ليوناردو في تعميد المسيح «اعتزم ألا يمسك الفرشاة مرة أخرى، لأن ليوناردو وهو لا يزال في شرخ الشباب قد بزه في هذه الصورة»(٢٦). ولكننا نعلم أن فيروتشيو، وإن ظل يشتغل بالتصوير بعد ظهور صورة التعميد قضى في الواقع معظم سني حياته بعد نضوجه في الاشتغال بالنحت، فعمل بعض الوقت مع دوناتلو وأنطونيو بولايولو، وتعلم من كل منهما شيئاً، ثم نَمَّى هو طرازه الخاص الذي يمتاز بالصرامة وبالزوايا. وأخذ يشق طريقه بنفسه فصب من الصلصال المحروق تمثالا نصفياً مبرءاً من الملق للورندسو-أظهر فيه أنفه، وقُصَّته (١)، وجبهته التي تنم عن كثرة القلق. ومهما يكن من أمره فإن المانيفيكيو (الأفخم) قد سره كثيراً نقشان في البرنز للإسكندر ودارا نقشهما له قيروتشيو؛ فبعث بهما إلى ماثياس كورفينوس ملك المجر، وعهد إلى المثال (١٤٧٢) أن يخطط في كنيسة سان لورندسو قبراً لأبيه بيرو وعمه جيوفني. ونحت فيروتشيو الناووس في الحجر السماقي وزينه بقوائم من البرنز، وأكاليل في صورة بديعة الأزهار. وصب بعد أربع سنين من ذلك الوقت تمثالا لداود الغلام وهو واقف في خيلاء وهدوء أمام رأس جالوت المقطوع؛ وأعجب به مجلس سيادة فلورنس إعجاباً لم يسعه معه إلا أن يضع التمثال على رأس الدرج الرئيسية في قصر فيتيشيو، وقبل هذا المجلس في ذلك العام نفسه تمثالاً من البرنز يصور غلاماً يمسك الدلفين ويتخذه بزبزاً لعين ماء في فسقية قائمة في فناء القصر. وصمم فيروتشيو وهو في عنفوان مجده وصب