الجنوبية، ثم يأتي "جسر آدم"- وهو خط من الجزائر الغائصة في الماء- يأتي بعدئذ فيشير لنا داعياً أن نعبر عليه المضيق إلى سيلان حيث ازدهرت المدينة منذ ستة عشر قرناً، وكل هذه الأرجاء لا تزيد عن جزء صغير من الهند.
فلا ينبغي إذن أن ننظر إليها نظرتنا إلى أمة واحدة مثل مصر أو بابل أو إنجلترا، بل لابد من اعتبارها قارة بأسرها فيها من كثرة السكان واختلاف اللغات ما في القارة الأوربية، وتكاد تشبه القارة الأوربية كذلك في اختلاف أجوائها وآدابها وفلسفاتها وفنونها؛ فالجزء الشمالي منها يتعرض للرياح الباردة التي تهب عليه من الهملايا، كما يتعرض للضباب الذي يتكون حين تلتقي هذه الرياح الباردة بشمس الجنوب؛ وفي البنجاب تكونت بفعل الأنهار سهول خصيبة عظيمة لا يدانيها في خصوبتها بلد آخر (٤)، لكنك إذا ما توجهت جنوبي وديان تلك الأنهار، وجدت الشمس تحكم حكم المستبد الذي لا يقف استبداده شيء، ولهذا جفت السهول وتعرّت، وتحتاج في زراعتها لكي تثمر، لا إلى مجرد الفلاحة، بل تحتاج من الجهود الشاقة إلى ما يكاد يدنو من العبودية المميتة (٥) ولذلك لا يقيم الإنجليز في الهند أكثر من خمس سنوات في المرة الواحدة،، فإذا رأيت مائة ألف إنجليزي يحكمون من الهنود عدداً يكبر عددهم ثلاثة آلاف مرة فاعلم أن سبب ذلك هو أنهم لم يقيموا هناك مدة تكفي لصبغهم بصبغة الإقليم.
وتنتشر في أرجاء البلاد هنا وهناك غابات بدائية لم تزل باقية تكوّن خُمْس البلاد، ترتع فيها النمور والفهود والذئاب والثعابين، وفي الثلث الجنوبي من الهند يقع إقليم "دِكن"(١) حيث تزداد حرارة الشمس جفافاً إلا إذا لطفتها نسائم تهب عليها من البحر، لكن الحرارة هي العنصر الرئيسي السائد من
(١) كلمة "دكن" مشتقة من اصل لغوي معناه "اليمين" ومن ثم يكون لها معنى ثان هو "الجنوب" لان جنوب الهند يكون على يمين المصلي الذي يواجه مشرق الشمس.