للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واجبنا ان نمر على مهل في شبه الجزيرة التي لا نظير لها في أشباه الجزائر من بيدمنت Piedmont إلى صقلية، ونتيح الفرصة للأصوات المتنوعة الخارجة من مدائنها تمتزج في النشيد المتعدد النغمات الذي تترنم به النهضة.

لم تكن الحياة الاقتصادية في الدول الإيطالية خلال القرن الخامس عشر أقل تنوعا من مناخ المدن، ولهجاتها، وأزيائها. فقد كان شمالي شبه الجزيرة ينتابه أحيانا شتاء قارس تتجمد فيه مياه نهر البو من منبعه إلى مصبه، بينما كان الإقليم الساحلي المحيط بجنوى والذي تحميه الألب الليجورية Lligurian Alps يستمتع بجو معتدل يكاد يدوم طول العام. وكان الضباب يلف قصور البندقية، وأبراجها، وشوارعها المائية، وكانت روما مشمسة ولكن العفن يتصاعد في سماءها، أما نابلي فهي الفردوس في مناخها. وكانت هذه المدائن أينما وجدت وما يتصل بها من أقاليم الريف تنتابها من حين إلى حين تلك الزوابع، والفيضانات، والحدب، والأعاصير، والمجاعات، والأوبئة، والحروب، التي لا تنفك الطبيعة تسيرها على العالم لتوازن بها إسراف بنى الإنسان في التناسل والإخصاب كأنها تتبع في ذلك تعاليم مالتس Malthus (١) . وكانت الحرف اليدوية القديمة تمد فقراء المدن بالكفاف من العيش كما تمد الأغنياء بأسباب الترف، ولم يصل إلى مرحلة المصانع ورؤوس الأموال إلا صناعة النسيج، من ذلك أن إحدى مصانع الحرير في بولونيا تعاقدت مع ولاة الأمور في المدينة على أن تخرج من الغزل "ما تخرجه ٤٠٠٠ امرأة غازلة" (١) وكانت في تلك المدن طبقة وسطى من خليط من صغار البائعين، وتجار الواردات والصادرات، والمدرسين، والمحامين، والأطباء، ورجال الإدارة، والسياسة، وكانت طبقة من رجال الدين الأثرياء المهتمين بشئون هذه


(١) هو العالم الاقتصادي الذي عاش بين ١٧٦٦ و ١٨٣٤ والقائل بأن سكان العالم يتضاعفون أكثر من تضاعف الغذاء، وأن الطبيعة ترسل إليهم الكوارث حتى يتوازن هذا مع ذاك. (المترجم)