مانتوا والإستنسي Estensi في فيرارا. وكان هؤلاء يستمتعون بشيء من الحب المزعزع، لأنهم كانوا يكبحون جماح الحركات الحزبية، ويؤمنون الناس على أنفسهم وأموالهم، داخل أسوار المدينة، وبقدر ما تسمح بذلك أهواؤهم. وارتضت الطبقات الدنيا حكمهم لأنها رأت في هذا الحكم آخر ملجأ لها يعصمها من طغيان الأدواق، ووطنت طبقات الفلاحين المحيطة بهم نفسها على هذا الوضع لأن القومون لم يهبها ما تريده من الحماية أو العدالة أو الحرية.
وكان المستبدون قساة لأنهم كانوا غير آمنين. ولم تكن تؤيدهم تقاليد من شرعية الحكم، وكانوا معرضين في أية لحظة للاغتيال أو للثورة عليهم، فقد أحاطوا أنفسهم بالحراس، لا يأكلون أو يشربون إلا وخوف السم يراودهم، وكان أكثر أمل لهم أن يموتوا موتاً طبيعياً. وكانوا في العقود الأولى من حكمهم يدبرون شئون المدن بالدسائس، والرشا، والاغتيال الخفي الهادئ، وساروا على سنن مكفيلي كلها قبل أن يولد مكفيلي نفسه، ثم أحسوا بعد عام ١٤٥٠ بأنهم أصبحوا أكثر أمناً لأن الزمن خلع على حكمهم شيئا من القداسة، فأقنعوا في حكمهم الداخلي بالوسائل العلمية، ولكنهم كانوا يكمون أفواه الناقدين، ويخمدون أنفاس المتذمرين المنشقين، ويستخدمون لهذا الغرض جيشاً كبيرا من الجواسيس. وكانوا يعيشون مترفين، ويتخذون الأبهة المصطنعة وسيلة للتأثير في النفوس. غير أنهم رغم هذا قد نالوا احترام رعاياهم وتسامحهم معهم بل أنهم نالوا في فيرارا وأربينو ولاء هؤلاء الرعايا وإخلاصهم بإصلاحهم شئون الإدارة، وتوزيع العدالة بالقسطاس المستقيم في الأمور التي تتأثر بها مصالحهم الخاصة. وكانوا يساعدون الشعب إذا حلت به المجاعة أو غيرها من الشدائد، ويخففون من آثار التعطل بالأعمال العامة، وبناء الكنائس والأديرة، وتجميل المدن بروائع الفن، ومناصرة العلماء، والشعراء، والفنانين الذين