غير أن أبد الدهر هذا لم يدم أكثر من اثنين وخمسين عاماً. ذلك أن جيان ماريا فسكونتي Gianmaira Visconti (١) أكبر أبناء جيان كان في سن الثالثة عشرة حين مات أبوه (١٤٠٢)، ولذكل أخذ القواد الذين قادوا جيوش جيان إلى النصر يتنافسون للظفر بمنصب الوصي على الملك، وبينما كان هؤلاء القواد يتنازعون حكم ميلان عادة إيطاليا إلى انقسامها القديم: فاستردت فلورنس مدينة بيزا، واستولت البندقية على فيرونا، وقيتشنتسا، وبدوا، وخضعت كل من سينا، وبيروجيا، وبولونيا إلى طاغية من الطغاة. وعادة إيطاليا كما كانت، بل أسوء مما كانت، لأن جيان ماريا Gianmaria ترك شؤون الحكم للولاة الطغاة المستبدين ووجه كل اهتمامه لكلابه، ودربها على أكل لحوم البشر، وكان يسره ويثلج قلبه أن يراها تطعم الأحياء من الآدميين الذين حكم عليهم بأنهم مذنبون سياسيون أو مجرمون في حق المجتمع (١٠)، وانتهى به الأمر أن أغتاله ثلاثة من الأعيان.
ويلوح أن أخاه فلبو ماريا فسكونتي ورث عن أبيه حدة ذكائه، وجده، وجلده، وأطماعه وسياسته البعيدة النظر. ولكن ما كان يتصف به جيان جلياتسو من شجاعة ممتزجة بالهدوء، أضحى في فلبو جبناً ممتزجاً بالخمول، وخوفاً دائماً من الاغتيال، واعتقاداً لا يتزعزع في غدر الجنس البشري لا ينفك يراوده. ولهذا أغلق على نفسه أبواب قلعة بورتا جيوفيا Porta Giovia في ميلان، وأخذ يأكل ويسمن، وأولع بالخرافات والمنجمين، ولكنه استطاع بفضل دسائسه ودهائه لا غير أن يبقى إلى آخر أيام حكمه الطويل سيد بلده المطلق، وسيد قواده بل وأسرته أيضاً، وتزوج بيتريس تندا Beatrice Tenda طمعاً في مالها، ثم حكم عليها
(١) لقد كن جيان جلياتسو يدعو العذراء أن تهبه ولداً ذكراً؛ فلما نال أمنيته أظهر شكره واغتباطه بأن أقسم أن يحمل جميع نسله اسمها.