هذه الآلة أسم "الطائر" وكتب تعليمات مفصلة لطيرانها وقال (٥٤):
إذا ما أديرت هذه الآلة ذات اللولب … بسرعة، فأن هذا اللولب يحدث في الهواء حركته اللولبية فترتفع بذلك إلى أعلى (٥٥) .... جرب هذه الآلة فوق الماء، حتى لا يصيبك أذى إذا سقطت (٥٦) … وسيطير "الطائر" العظيم طيرانه الأول … فيثير دهشة العالم كله ويذيع شهرته في جميع أنحائه؛ ويخلع المجد الأبدي على العش الذي درج منه (٥٧).
ترى هل حاول أن يطير فعلاً؟ إن في الكودبتشي أطلنطيكو (٥٨)، إشارة تقول:"في صباح غد، اليوم الثاني من شهر يناير ١٤٩٦ سأصنع الأربطة وأقوم بالمحاولة". ولسنا نفهم معنى هذه العبارة، ولكن فادسيو كاردانو Fazio Cardano، والد جيروم كاردان العالم الطبيعي (١٥٠١ - ١٥٧٦) أخبر ولده أن ليوناردو نفسه قد جرب الطيران (٥٩). ويظن بعضهم أنهم لما كسرت ساق أنطونيو أحد مساعدي ليوناردو في عام ١٥١٠ كان كسرها وهو يحاول الطيران بآلة من الآت ليوناردو. على أننا لانستطيع التأكد من صحة هذا القول.
لكن ليوناردو لم يكن يسير في الطريق الصحيح. ذلك أن الإنسان، حين استطاع الطيران، لم يستطعه لأنه حاكى الطير- إذا استثنينا من ذلك الانزلاق وحده- بل لأنه استخدم الآلة ذات الاحتراق الداخلي في تشغيل مروحة تستطيع دفع الهواء إلى الوراء لا إلى أسفل، وسرعة الاندفاع إلى الأمام هي التي تمكن الطائرة من الطيران إلى أعلى. غير أن أنبل ما يمتاز به الإنسان هو رغبته الشديدة في المعرفة. ونحن حين تروعنا حروب الجنس البشري وجرائمه، وتثبط هممنا أنانية ذوي الكفايات منا وانتشار الفاقة وأبديتها، وتبعث الأسى والحزن في نفوسنا الخرافات والسذاجات التي تزين بها الأمم والأجيال قصر الحياة وحقارتها، نقول