الصقل، وأن وجوهها خشنة غليظة، وأن كثير منها يبدو أنه صيغ في قالب فلمنكي، لكن الذي يسمو بها إلى مرتبة النبل هو ما يظهر عليها من مهابة وهدوء، وطلعة وقورة، وقفة رائعة، وما في حركات أصحابها وأعمالهم من قوة مقموعة محتجزة ولكنها مع ذلك مسرحية. والسمة التي تتألق في هذه الصور هي الانسياب والتناسق ألا وهو الأمانة التي دفعت بيرو إلى تمثيل ما أبصرته عينه وأدركه عقله محتقراً بذلك العواطف المتكلفة والتقيد بمثل أعلى لصوره.
وكان بعده عن مراكز النهضة الكبيرة مما حال بينه وبين وصوله فنه إلى ما كان خليقاً به أن يبلغه من كمال، وحرم هذا الفن من أن يكون له أثره القوي الكامل فيمن جاء بعده من الفنانين، ومع ذلك فقد كان من بين تلاميذه سنيوريلي Signorelli، كما أنه كان ممن شكلوا طراز لوكا. وكان والد روفائيل هو الذي دعا بيرو إلى أربينو، ومع أن هذه الدعوة جاءت قبل مولد روفائيل بأربعة عشر عاماً، فإن هذا الشاب المحظوظ قد أبصر ودرس بلا ريب ما خلفه بيرو في تلك المدينة وفي بورجيا من صور. كذلك أخذ ميلتسو دا فورلي Melozzo da Forli عن بيرو شيئاً مكن القوة والرشاقة في التصميم، وإن صورة الملائكة الموسيقيين التي رسمها ميلتسو والمحفوظة في الفاتيكان لتذكرنا بالصور التي رسمها بيرو في أحد أعماله الأخيرة - صورة عيد الميلاد المحفوظة في معرض الصور بلندن - تذكرنا بها كما تذكرنا صورة الملائكة المرنمين لبيرو بصورة كنتوريا للوكا دلا ربيا. وهكذا يترك الناس تراثهم لمن يأتون بعدهم - يتركون عملهم، وقوانينهم، ومهاراتهم، ويصبح انتقال هذا التراث نصف أسباب الحضارة ومقوماتها.