كانت تجتاح جميع أنحاء إيطاليا في القرن الخامس عشر اجتياح السيل الجاف، فسافر إلى بدوا ودرس اللغتين اليونانية واللاتينية، والعلوم الرياضية، وفنون البلاغة على أساتذة مختلفين، وأدى لواحد منهم أجره بأن عمل خادماً عنده، ولما أن تخرج من الجامعة فتح مدرسة لتعليم الصبيان. وكان يختار تلاميذه على أساس من المواهب والحرص على التعليم لا على أساس الحسب أو كثرة المال؛ وكان يتقاضى من أغنى التلاميذ أجراً يتناسب مع ثروتهم، أما الفقراء فلم يكن يتقاضى شيئاً على الإطلاق. ولم يكن يقبل الكسالى المتوانين ويطلب كل بأن يبذلوا في التعليم أقصى الجهود، ويحرص على النظام الصارم الدقيق. وإذا كانت هذه المطالب مما يصعب الوفاء بها في جو المدينة الجامعية الصاخب فقد نقل فتورينو مدرسته إلى البندقية (١٤٢٣). وفي عام ١٥٢٥ قبل دعوة جيان فرانتشيسكو للمجيء إلى بدوا ليعلم فيها نخبة ممتازة من الأولاد والبنات، من بينهم أربعة من أبناء المركيز وبنت له، وابنة فرانتشيسكو اسفوردسا، وبعض أبناء الأسر الحاكمة الإيطالية.
وخصص المركيز للمدرسة بيتاً عرق باسم كاسا دسوجوسا Casa Zojosa أي البيت المبتهج. وحول فتورينو القصر إلى ما يشبه الدير، وعاش فيه هو وتلاميذه عيشة البساطة، قانعين بالضروري من الطعام، وجروا فيه على المثل اللاتيني المأثور "العقل السليم في الجسم السليم". وكان فتورينو نفسه يجيد الألعاب الرياضية كما يجيد العلم، فكان يتقن المثاقفة، وركوب الخيل، لا يتأثر بتقلبات الجو حتى كان يرتدي نوعاً واحداً من الثياب صيفاً وشتاء، ولا يحتذي إلا الصنادل في أشد الأيام برداً. وإذ كان ذا مزاج شهواني سريع الغضب. فقد عمل على أن يسيطر على هاتين النزعتين بالالتجاء إلى الصيام من حين إلى حين، وبأن يضرب جسمه بالسوط كل يوم. ويعتقد معاصره أنه لم يقرب النساء قط طوال حياته.
وكانت أولى وسائله للتسامي بغرائز تلاميذه وتنشئتهم على الخلق الكريم أن يحتم عليهم التمسك الشديد بأصول الدين، وأن يغرس فيهم الإحساس