نفسها في فيرونا، وبدوا، وبولونيا، وفلورنس، فأصبح عميد الدراسات القديمة فيها واحدة بعد واحدة. ولما بلغ التاسعة والخمسين من عمره قبل دعوة من فيرارا، فذهب إليها وأصبح فيها معلماً لبونيلو، وبورسو، وإركولى، وبهذا تربى على يديه من أعظم الحكام استنارة في تاريخ النهضة. وكان نجاحه في تدريس اللغة اليونانية وبيانها في الجامعة حديث الناس كلهم في إيطاليا؛ وبلغ من إقبال الناس على محاضراته أن كان الطلاب يهرعون في زمهرير البرد لينتظروا خارج أبواب الحجرات المخصصة لدروسه وهي لا تزال مغلقة. ولم يكونوا يفدون من المدن الإيطالية وحدها، بل كانوا يأتون أيضاً من بلاد المجر وألمانيا، ولإنجلترا؛ وتخرج منهم عدد كبير ليشغلوا مناصب ذات شأن عظيم في التربية، والقضاء، والحكم. وكان يفعل ما يفعله فتورينو فيعول من ماله الخاص فقراء الطلبة؛ وكان يتخذ له مساكن بسيطة، ولا يتناول من الطعام إلا وجبة واحدة في اليوم، وكان من عادته أن يدعو أصدقائه، لا للولائم، بل "للفول والحديث" على حد قوله feve et favole (٧) . ولم يكن مثلاً أعلى في الأخلاق بقدر ما كان فتورينو، فقد كان يسعه أن يكتب أشد الطعن وأقذعه كما يفعل أي كاتب إنساني، ولعله كان يرى في هذا شيئاً من التسلية الأدبية؛ ولكن يبدو أن أبناءه الثلاثة عشر كانوا كلهم من أم واحدة؛ وكان يراعى جانب الاعتدال في كل شيء إلا الدرس، وقد احتفظ بصحته وقوته، وصفاء ذهنه حتى بلغ سن التسعين (٨). ويرجع إليه هو أكبر الفضل في تشجيع أدواق فيرارا للتعليم، والعلم، والشعر وفيما بلغته عاصمتهم من الشهرة الواسعة بوصفها أعظم المراكز الثقافية في أوربا كلها.
وجاء في أعقاب إحياء التراث القديم تجدد العلم بالمسرحيات اليونانية والرومانية القديمة، وعاد معها إلى الحياة بلوتوس Plutus ابن الشعب،