كادت تكون بشراً في جهلها كذلك، فانظر أحدها وقد أحاطت به دعوات الداعي، فجعل يفكر ماذا عسى أن يهب هذا المتوسل:"هذا ما سأصنعه- كلا، لن أصنع هذا، سأعطيه بقرة- أم هل أعطيه جواداً؟ ترى هل تقرب إليّ حقاً بشراب السوما؟ "(٦٧)، لكن بعض هؤلاء الآلهة قد صعد في العصور الفيدية المتأخرة إلى مستوى خلق رفيع، خذ مثلاً "فارونا" الذي كان بادئ ذي بدء هو السماء المحيطة بالأرض، أنفاسه هي ريح العواصف، ورداؤه هو السماء، هذا الإله قد تطور على أيدي عُبَّادُه حتى أصبح أكثر آلهة الفيدا علواً في الأخلاق وقرباً من المثل الأعلى للآلهة، أصبح يرقب العالم بعينه الكبرى، التي هي الشمس، يعاقب الشر ويكافئ الخير، ويعفو عن ذنوب التائبين، وبهذا كان "فارونا" حارساً على القانون الأبدي ومنفذاً له، ذلك القانون الذي يسمونه "ريتا" وهو الذي كان أول أمره قانوناً يقيم النجوم في أفلاكها ويحفظها هناك فلا يضطرب مسيرها، ثم تطور بالتدريج حتى أصبح قانون الحق إطلاقا، أصبح نغمة خلقية كونية لا مندوحة لكل إنسان عن مراعاتها إذا أراد أن يجتنب الضلال والدمار (٦٨).
ولما كثر عدد الآلهة نشأت مشكلة، هي: أي هؤلاء الآلهة خلق العالم؟ فكانوا يعزون هذا الدور الأساسي تارة لـ "آجنى" وتارة لـ "إندرا" وطوراً لـ "سوما" وطوراً رابعاً لـ "براجاباتي"، وفي أحد أسفار "يوبانشاد" يعزي خلق العالم إلى خالق أول قهار:
"حقاً إنه لم يشعر بالسرور، فواحد وحده لا يشعر بالسرور، فتطلب ثانياً؛ كان في الحق كبير الحجم حتى ليعدل جسمه رجلاً وامرأة تعانقا، ثم شاء لهذه الذات الواحدة أن تنشق نصفين، فنشأ من ثمَّ زوج تملؤه الزوجة، وعلى ذلك تكون النفس الواحدة كقطعة مبتورة … وهذا الفراغ تملؤه الزوجة، وضاجع زوجته وبهذا أنسل البشر؛ وسألت نفسها الزوجة قائلة: "كيف استطاع مضاجعتي بعد أن أخرجني من نفسه، فلأختف" واختفت في صورة