للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جهاز الدولة؛ وأوجدت عملاً نافعاً لسكان المدينة البالغ عددهم ١٩٠. ٠٠٠ (في عام ١٤٢٢)؛ وإن كانت قد جعلتها يعتمدون على الأسواق، والخامات والأطعمة الخارجية. وكانت البندقية سجينة في متاهتها البحرية، فأصبحت لذلك عاجزة عن إطعام سكانها إلا بالطعام المستورد من الخارج؛ ولم يكن في وسعها أن تحصل على المواد اللازمة لصناعتها إلا باستيراد الخشب، والمعادن، والفلزات، والجلد، والأقمشة؛ ولا تستطيع أن تؤدي أثمانها إلا بالبحث عن أسواق لمنتجاتها وتجارتها. وإذ كانت تعتمد على أرض القارة في الحصول على الطعام، والنافذ التجارية، والمواد الخام، فقد اشتبكت في سلسلة من الحروب لفرض سيطرتها على شمالي إيطاليا؛ وإذ كانت تعتمد كذلك على غير الأراضي الإيطالية فقد كانت قوية الرغبة في أن تسيطر على الأصقاع التي تفي بحاجتها: الأسواق التي تصرف فيها بضائعها، والطرق التي تجتازها تجارتها التي لا حياة لها بغيرها؛ ومن أجل هذا جعلتها ((الأقدار المسيطرة)) دولة استعمارية.

وهكذا كان محور تاريخ البندقية السياسي هو حاجاتها الاقتصادية؛ ولهذا فإنه لما حاول آل اسكاليجيري في فيرونا أو الكراربيسي في بدوا، أو الفيسكونتي في ميلان أن يبسطوا سلطانهم على الشمالي إيطاليا الشرقي، أحست البندقية بالخطر المحدق بها، وامتشقت السلاح دفاعاً عن نفسها؛ ولما خشيت أن تسيطر فيرارا على منصب البو حاولت أن تكون صاحبة القول الفصل في اختيار المركيز الحاكم فيها في توجيه سياسته، وقاومت ما تدعيه البابوية من أن فيرارا إقطاعية تابعة لها. وكانت الخطة التي جرت عليها في التوسع نحو الغرب سبباً في إغضاب التي كانت هي الأخرى تسعى للتوسع وبسط السلطان، ولما أن هاجم فلبوماريا قيسكونتي فلورنس (١٤٢٣)، استنجدت الجمهورية التسكانية بالبندقية، وأبانت لها أن سيادة ميلان على تسكانيا لن تلبث أن تستولي على جميع إيطاليا الواقعة في