منه، وأنه كثيراً ما تعدى السلطة المخولة له، حد من سلطانه، وأصبح المجلس منذ ذلك الحين لا وجود له إلا بالاسم.
وكان القضاء الأربعون المعينون من قبل المجلس الأكبر هيئة قضائية حازمة صارمة؛ وكانت القوانين واضحة الصياغة تنفذ تنفيذاً دقيقاً على الخاصة والعامة سواء بسواء؛ وكانت العقوبات شاهداً واضحاً على قسوة ذلك العصر، فكان السجن في معظم الأحيان في حجرات انفرادية ضيقة لا ينفذ إليها إلا أقل قدر مستطاع من الضوء والهواء؛ وكان الجلد، والكي بالنار، وبتر الأعضاء، وسمل العيون، وقطع اللسان، وتهشيم الأطراف على العذراء وما شابهها من الأدوات، عقوبات يقرها القانون. وكان من المستطاع خنق المحكوم عليه بالإعدام داخل السجون، أو إغراقهم في الماء سراً، أو شنقهم في نافذة من نوافذ قصر الدوج، أو حرقهم وهم مشدودون على عمود الإحراق. أما الذين ارتكبوا جرائم شنيعة أو سرقات من الأماكن المقدسة فكانوا يعذبون بالملاقط التي تحمى في النار حتى تحمر، ثم تجرهم الجياد في شوارع المدينة، ثم تقطع رءوسهم وتمزق أشلاؤهم (١٤). وكأنما أرادت البندقية أن تكفر عن هذه الوحشية، فكانت تفتح أبوابها للاجئين السياسيين والعقليين، وكان لها من الجرأة ما مكنها من أن تحمي إلزبتا جندساجا وجيدوبلدو من وحشية بورجيا، حين أرغم الخوف إزبلا أخت زوجها على أن تخرجها من بلدتها مانتوا.
وأكبر الظن أن تنظيمها الإداري كان خير النظم في أوربا في القرن الخامس عشر، وإن كان الفساد قد وجد سبيله إليها كما وجدها إلى سائر الحكومات. وقد أنشئ فيها مكتب للصحة العامة في عام ١٣٨٥؛ واتخذت الإجراءات الكفيلة بتزويد المدينة بماء الشرب النقي ومنع تكون المستنقعات. وكان بالمدينة مكتب آخر مهمته تحديد أيمان المواد الغذائية؛ وأنشئ نظام للبريد داخل المدينة وخارجها لا يقتصر واجبه على أعمال