الوطنية ويؤدون إليها من الخدمات ما لا نجد له مثيلاً في الدول المعاصرة لها؛ وكانوا يعظمون الدوج تعظيماً لا يعلوا إلا تعظيمهم الله وحده.
وكان الدوج في العادة وكيل المجلس الأكبر ومجلس الشيوخ، ولم يكن هو سيد المجلسين إلا في الأحوال الاستثنائية المحضة؛ وكانت الأبهة التي تحيط به تعلو كثيراً على سلطانه؛ فقد كان إذا ظهر أمام الجماهير ارتدى أفخم الثياب، وأثقل الجواهر، وكانت قلنسوته الرسمية وحدها تحتوي من الجواهر ما قيمته ١٩٤. ٠٠٠ دوقية (٤. ٨٥٠. ٠٠٠؟ دولار)(١٩)؛ ولربما كانت حلله التي علمت المصورين البنادقة الألوان الفخمة التي جرت بها أقلامهم، وشاهد ذلك أن عدداً من أعظم صورهم لآلاء يمثل الدوج في حلله الرسمية. وكان مصدر هذه الفخامة أن البندقية تؤمن بالاحتفالات والمظاهر تؤثر بها في نفوس السفراء والزوار، ترهب بها الأهلين، وتخلع من الأبهة ما تستعيض به عن السلطان. وحتى الدوقة نفسها كان يحتفل بتتويجها أعظم احتفال وأفخمه. وكان الدوق هو الذي يستقبل كبار الوافدين عليه من الأجانب، ويوقع جميع الوثائق الهامة المتصلة بأعمال الدولة، وكان له نفوذ شامل واسع متصل يضمنه له بقاؤه في منصبه مدى الحياة بين أشخاص يختارون لعام واحد لا أكثر؛ أما من الوجهة النظرية فلم يكن أكثر من خادم الحكومة والناطق بلسانها.
وتمر بنا في تاريخ البندقية سلسلة طويلة متصلة من الأدواج ذوي مجد وفخامة، ولكن عدداً قليلاً منهم هم الذين طبعوا شخصيتهم على صفات الدولة ومصائرها. نذكر من بينهم فرانتشيسكو فسكاري الذي اختاره المجلس الكبير ليخلف توماسو متشينيجو على الرغم من خطابه البليغ وهو يحتضر. وجلس الدوج الجديد على العرش في الخمسين من عمره، ورفع البندقية من خلال حكمه الذي دام أربعة وثلاثين عاماً (١٤٢٣ - ١٤٥٧) إلى ذروة قوتها، وأراق فيها أنهاراً من الدماء، وخاض فيها كثيراً من