والانطفاء حتى قبل موت الفنان. ولكن أنطونيلو أدرك فائدة خلط المادة الملونة بالزيت إذ وجدها أسهل مزجاً، وأيسر استعمالاً وتنظيفاً، وألمع صقلاً، وأطول بقاء. ثم سافر الرجل إلى بروج حيث درس صناعة التصوير بالزيت على المصورين الفلمنكيين الذين كانوا ينعمون وقتئذ بمجد بيرغندية. ولما له فرصة للذهاب إلى البندقية أحب المدينة - وكان هو نفسه ((زير نساء عاكفاً على اللذات)) (٢٥) - حباً حمله على أن يقضي فيها بقية حياته. وترك الأعمال المالية ووجه جهوده كلها نحو التصوير. فرسم لكنيسة سان كسيانو San Cassiano بالزيت شعاراً للمذبح أصبح فيما نموذجاً لمائة صورة من نوعه: نرى فيها العذراء متربعة على عرشها بين أربعة من القديسين، وتحت قدميها الملائكة الموسيقيون، وقد لونت أثواب الديباج والأطلس بالألوان البندقية الكاملة. وكان يشارك أنطونيو في عمله بالأسلوب الجديد غيره من الفنانين، وهكذا بدا عصر التصوير العظيم في البندقية. وجاءه كثير من النبلاء ليصورهم، ولا يزال لدينا حتى اليوم عدد من هذه الصور: صورة الشاعر الخشنة القوية في بافيا، وصورة المحارب المغامر في اللوفر، وصورة رجل بدين مستهزئ في مجموعة جنسن بفلدلفيا، وصورة شاب في نيويورك، وصورة المصور نفسه في لندن. ولما بلغ أنطونيو ذروة نجاحه انتابه المرض، وأصيب بالتهاب البلورة، ومات في سن التاسعة والأربعين، ودفنه فنانو البندقية في موكب فخم، واعترفوا بفضله عليهم في قبرية كريمة قالوا فيها:
في هذه الأرض يثوي أنطونيو المصور، أعظم من تزدان به مسنا وصقلية جميعها، ولم تقتصر شهرته على صوره التي امتازت بالحذق والجمال، بل امتاز فضلا عن هذا لأنه خلع على التصوير الإيطالي هالة من المجد والخلود بتحمسه العظيم له وبجهوده التي لا تعرف الملل، وبمزجه الألوان بالزيت (٣٩).