للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه قصة نسجت حوله في ما بعد (٣٣). ولما بلغ الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمره (وقد يكون ذلك في عام ١٤٩٠) أرسل من كاستيلفرانكو Caststelfranco إلى البندقية ليعمل صليباً عند جيان بليني. وتقدم الشاب بخطى سريعة، وعهدت إليه أعمال درت عليه مالاً كثيراً، فابتاع بيتاً، ونقش ورسم رسماً جصياً على واجهته، وملأ بيته موسيقى ومرحاً، لأنه كان يجيد العزف على العود، ويفضل الاستمتاع بأجسام النساء عن رسمهن على القماش. وليس من السهل علينا أن نعرف المؤثرات التي كونت طرازه المتأنق، لأنه لم يكن يشبه غيره من المصورين في عصره، في أنه ربما تعلم من كرباتشيو شيئاً من الرشاقة والجاذبية. وأكبر الظن أن أعظم ما تأثر به هو الأدب لا الفن. ذلك أن الأدب الإيطالي حين بلغ جيورجيوني السابعة والعشرين أو الثامنة والعشرين من عمره كان يتجه نحو النزعة الريفية؛ فقد نشر سنادساروا Sannazaro قصائد أركاديا في عام ١٥٠٤؛ ولعل جويرجيوني قرأ هذه القصائد ووجد في أخيلتها الجميلة بعض ما أوحى إليه بالمناظر الطبيعية المثالية والحب المثالي. ولعل جيورجيوني قد أخذ عن ليوناردو - الذي مر بالبندقية في عام ١٥٠٠ - ميلاً إلى رقة التعبير الخيالية الصوفية، والتدرج الخفيف غير المحس، ورقة الأسلوب التي جعلته لحظة قصيرة مفجعة حامل لواء البندقية.

ومن أقدم لأعمال التي تعزى إليه - ونقول تعزى إليه لأننا لا نستطيع أن نجزم بأن شيئاً ما من عمله هو - لوحتان خشبيتان تمثلان تعرض الطفل باريس لقسوة الجو ونجاته؛ وقد تذرع بهذه القصة لتصوير الرعاة، والمناظر الريفية الموحية بالسلام. وإنا لنجد في الصورة الأولى، التي يجمع الثقات على أنها من صنعه، صورة الغجرية والجندي الخيال الذي اختص به جيورجيوني: نجد امرأة نلتقي بها على غير انتظار، عارية إلا من لفاعة حول كتفيها، تجلس على أثوابها التي خلعتها على شاطئ يغشاه الطحلب