بعطلة في الريف: وأحد الرجلين شاب من الأشراف في صدرية من الحرير الأحمر البراق، يعزف على عود بغير انتظام، والى جانبه راع أشعث الشعر يجهد نفسه في سد الثغرة القائمة بين العقل الساذج والعقل المثقف. والسيدة صاحبة الأرستقراطي ذات حركة رشيقة تفرغ إبريقاً من البلور في بئر، أما فتاة الراعي فتنتظره في صبر وأناة حتى يلتفت إلى مفاتنها أو إلى نايها. وليس لفكرة الخطيئة أي أثر في رؤوس هذه الجماعة لأن العود والناي قد ارتفعا بالغريزة الجنسية إلى التوافق الموسيقي والانسجام. ويقوم وراء صور الآدميين منظر من أغنى المناظر في الفن الإيطالي.
ويبدو أخيراً في صورة الحفلة الموسيقية المحفوظة في قصر بتي Pitti أن الشهوة قد نسيت لأنها بدائية غير لائقة، وأن الموسيقى هي كل شيء، أو أنها رباط للصداقة أدق وأسمى من الشهوة. وقد ظلت هذه الصورة، وهي أجمع الصور لخصائص جيورجيوني، حتى القرن التاسع عشر تعزى إليه هو نفسه، أما الآن فكثيرون من النقاد يعتقدون أنها من صنع تيشيان، وإذ كانت المسألة لا تزال موضعاً للشك فلنتركها لجيوجيوني، لأنه كان يحب الموسيقى حباً لا يعلو عليه إلا حبه للنساء، ولأن لتيشيان من روائع الفن ما يكفي قبعته بريشة، وهو يبدو عديم الحياة إلى حد ما، في وقفته، والى جانبه راهب جالس أمام معزف من نوع البيان القديم، ويداه اللتان أجيد تصويرهما على مفاتيحه، وقد استدار بوجهه إلى قس في الجهة اليمنى للناظر، والقس يضع إحدى يديه على كتف الراهب، ويمسك بالأخرى كماناً جهيراً مرتكزاً على الأرض. ترى هل انتهيا من العزف أو أنهما لم يبدأا به بعد؟ ليس هذا أمراً ذا بال، لأن الذي يحركنا ويثير مشاعرنا هو ما نشاهده في وجه الراهب من شعور عميق صامت، وقد رقت كل جارحة في وجهه وكل عاطفة في قلبه، وهذا وذاك بسحر الموسيقى