ويرجع تفوق البندقية في هذه الناحية إلى تيوبلدو مانوتشي Teobaldo Manucci الذي غير اسمه فجعله ألدو مانودسيو Aldo Manuzio، ثم صبغه بعدئذ صبغة لاتينية فجعله ألدوس مانوتيوس Aldus Manutins. وكان مولده في بسيانو من أعمال رومانيا Bussiano in Romagna (١٤٥٠) ، وتعلم اللغة اللاتينية في روما واليونانية في فيرارا، تعلمهما على جوارينو دا فيرونا، ثم أخذ هو يحاضر في آداب اللغتين في فيرارا. ودعاه بيكو ديلا ميرندولا Pico della Mirandola أحد تلاميذه للمجيء إلى كابري Capri ليعلم فيها ليونيلو Lionello وألبرتو بيو ولدي أخيه. وتوطدت بين المعلم والتلميذين أواصر الحب القوي المتبادل، وأضاف ألدوس اسم بيو إلى اسمه الأول، وأتفق ألبرتو وأمه كونتة كابري أن يمولا أول المشروعات الكبرى في النشر. وكانت خطة ألدوس أن يجمع، ويحرر، ويطبع، الآداب اليونانية القيمة التي نجت من عاديات الدهر، وينشرها بتكاليفها. وكان هذا المشروع مجازفة خطرة لعدة أسباب: منها أن من الصعب الحصول على المخطوطات، وأن الكتاب القديم الواحد توجد منه مخطوطات متعددة تختلف نصوصها بعضها عن بعض اختلافاً يبعث على اليأس، وأن المخطوطات كلها تقريباً مليئة بالأخطاء الناشئة من النسخ، وأن لابد من البحث عن المنقحين الذين تعهد إليهم مقابلة النصوص ومراجعتها، ورسم الحروف اللاتينية واليونانية وصبها، ولابد بعد هذا من استيراد كميات كبيرة من الورق، واستخدام الجماعين والطباعين وتدريبهم، ولابد من تنظيم أداة للتوزيع، وخلق جمهور من القراء على نطاق أوسع مما كان من قبل. ولابد من تقديم جميع المال اللازم لهذا كله مع عدم وجود قانون لحماية حقوق الطبع.
واختار ألدوس البندقية مركزاً لعمله، لأن علاقاتها التجارية جعلتها مركزاً ممتازاً للتوزيع، ولأنها كانت أغنى مدن إيطاليا بأجمعها، ولأن فيها