للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التحذير: ((يطلب إليك ألدوس أياً كنت أن تقول ما تريد بإيجاز، وأن تسرع بالخروج … لأن هذا مكان عمل)) (٤٥) وقد أنهمك في حملة النشر انهماكاً أهمل معه أسرته وأصدقاءه وأتلف صحته. وقد تحالفت عليه ألف محنة ومحنة قضت على قوته ونشاطه: فالإضراب المتكرر عطل برنامجه، وعطلته الحرب سنة كاملة حين كانت البندقية تقاتل في سبيل حياتها عصبة كمبرية، ونهب الطابعون المنافسون له في إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا المطبوعات التي ابتاع مخطوطاتها بأغلى الأثمان، وأدى للعلماء أجوراً عالية لمراجعة نصوصها. ولكن منظر كتبه الصغيرة السهلة التناول، الواضحة الخط، الأنيقة التغليف، تخرج من عنده إلى جمهور من القراء مطرد الزيادة، بثمن معتدل (حوالي دولارين من نقود هذه الأيام)، لكن منظرها هذا كان يدخل السرور على قلبه، وكان هو يرى فيه جزءاً أو في كدحه، وكان يقول وقتئذ لنفسه إن مجد بلاد اليونان سيتلألأ أمام كل من يريدون الاستمتاع به (٤٦).

وتأثر علماء البنادقة بإخلاصه فاشتركوا معه في تأسيس المجمع العلمي الجديد Neacademia (١٥٠٠) الذي كان يعمل للحصول على كتب الآداب اليونانية، وطبعها، ونشرها. ولم يكن أعضاء هذا المجمع ينطقون في مجالسهم بغير اليونانية، واستبدلوا بأسمائهم الأصلية صيغاً يونانية، وكانوا يشتركون جميعاً في مهام الطباعة. وكانت صفوة ممتازة من الرجال تكدح معه في هذا المجمع. بمبو، والبرتوبيو، وإرازمس الهولندي، ولنكر Lenacre الإنكليزي. وكان ألدوس يعزو إليهم أكبر الفضل في نجاح مشروعه، ولكن الحقيقة أن نشاطه وشغفه بعمله كانا هما سبب النجاح. ومات الرجل منهوك القوى، فقيراً (١٥١٥)، ولكنه أدى رسالته. وواصل أبناؤه عمله، ولكن مات حفيده ألدو الثاني (١٥٩٧) أفلس المشروع بعد أن حقق الغرض من إنشائه في أمانة وإخلاص، فقد أخرج الآداب اليونانية من الأرفف التي لا تكاد تطلع عليها الأعين من