بمبوناتسي Pomponazzi. ولعله قد سرى إليه من بمبوناتسي هذا شيء من النزعة المتشككة، إذا جاز أن نحكم عليه من ساوكه، لأنه لم يكن يعتقد اعتقاداً جدياً أن من الأعمال ما يعد ذنوباً وآثاماً. فقد كان بمبوناتسي يشك في خلود الروح، غير أنه أوتي من رقة الطبع ودماثة الخلق ما نأى به عن حرمان المؤمنين من سلوى هذا الخلود؛ ولما اتهم أستاذه المتهور بالإلحاد، استطاع بمبو أن يقنع البابا ليو العاشر بألا يقسو عليه.
وقضى بمبو في فيرارا أسعد أيامه - بين الثامن والعشرين والسادسة والثلاثين من عمره (١٤٩٨ - ١٥٠٦). وفيها وقع في هوى لكريدسيا بورجيا ملكة هذا البلاط ذي الأدب الرفيع - ولعله لم يكن أكثر من هوى بالمعنى الأدبي لهذا اللفظ؛ وقد نسى ماضيها المريب في رومة، إذ أغوته رشاقتها الهادئة، وبريق شعرها ((التيتياني))، وشهرتها الفاتنة؛ ذلك أن شهرتها أيضاً كان في مقدورها أن تكسر الناس كما يكسرهم جمالها. وكتب إليها بفصاحة الأدباء رسائل فيها من الرقة والحنان ما يتفق مع سلامته ووجوده بجوار زوجها ألفنسو الصياد البارع. وقد أهدى إليها حواراً باللغة الإيطالية عن حب العذارى (الأفلاطوني) سماه Gli Asolano (١٥٠٥) ؛ ومدحها بقصائد من البحر الرثائي اليوناني لا تقل في رشاقتها من أية قصائد نظمت في عصر روما الفضي. وكانت هي تكتب إليه في حذر، وليس ببعيد أن تكون قد بعثت إليه بخصلة شعرها المحفوظة مع رسائلها له في المكتبة الأمبروزية بميلان.
ولما انتقل بمبو من فيرارا إلى أربينو (١٥٠٦) كان قد بلغ ذروة مجده؛ لقد كان طويل القامة، وسيم الخلق، كريم المحتد والتربية، ذا هيبة خالية من الكبرياء، لا يقحم نفسه في غير شأنه. وكان في وسعه أن يكتب الشعر في ثلاث لغات؛ وكانت رسائله تلقى تقديراً عظيماً. وكان حديثه حديث المسيحي، والعالم، والسيد المهذب. ولما نشر حواره في