الدينية؛ وكان أكثر ما يستخدم فيه ثروته هو جمع الصور والتماثيل الجميلة، وكانت صورتا فينوس وجوف تحلان مكان الشرف إلى جانب مريم والمسيح (٤٨). وأصبح بيته كعبة يحج إليها الأدباء، وندوة للفنانين والفكهين؛ وأخذ من هذا العرش يضع القوانين، ويقرر الأساليب التي تطبق في إيطاليا. وكان حتى وهو يشغل منصب أمين البابا قد حذر سادوليتو من أن يقرأ رسائل القديس بولس خشية أن تفقد ذوقه أحاديث العامة غير المصقولة، وقال له بمبو ((أبعد عنك هذه السفاسف لأن أمثال هذا السخف لا تليق برجل ذي كرامة)) (٤٩). وقال لإيطاليا إن اللغة اللاتينية كلها يجب أن تحذو أسلوب شيشيرون، وإن اللغة الإيطالية يجب أن تتخذ أسلوب بترارك وبوكاتشيو نموذجاً لها. وكتب هو نفسه وهو في سن الشيخوخة تاريخين لفلورنس والبندقية، وقد ماتا رغم جمال لغتهما. ولكن الكاتب صاحب الأسلوب الجميل نسى قواعده حين ماتت حبيبته موروسينا، كما نسى أفلاطون ولكريدسيا وكستجليوني وكتب إلى صديق له رسالة لعلها هي الرسالة الوحيدة من الرسائل التي جرى بها قلمه الخليفة بالذكر:
لقد فقدت أعز قلب في العالم، قلب كان يعنى بي ويحنو أشد الحنو على حياتي - التي كان يحبها، ويحافظ عليها أكثر من حياته نفسها، قلب بلغ من سيطرته على نفسه، واحتقاره لجميع ضروب الزخرف والزينة الباطلة، والخز والذهب، والجواهر والكنوز الغالية الثمن، وأن قنع بالمتعة الوحيدة السامية (كما أكد لي هو نفسه) وهي ما أكنه له من الحب. وقد اكتسى هذا القلب فضلاً عن ذلك بأرق الأعضاء، وأملسها، وأكثرها رشاقة، وألطفها؛ وكان في خدمته ملامح جميلة، وأحلى وأظرف قد التقيت به في هذه الأرض.