مليئة بالسخافات والمتناقصات، وهي في بعض مواضعها هنا وهناك تتسلف الاتجاه الذي سار فيه "هجل" فيما بعد بكل ما قاله من لغو الحديث (٩٨)، وأحياناً فيها عبارات غريبة غرابة الصيغ التي يستعملها "توم سوير" في معالجته للزوائد الجلدية عند مرضاه (٩٩)، ولكنها أحياناً أخرى تعرض عليك ما قد تظنه أعمق ما ورد في تاريخ الفلسفة من ضروب التفكير.
إننا نعلم أسماء مؤلفي هذه الأسفار (١٠٠) لكننا لا نعلم من حياتهم شيئاً إلا ما يكشفون لنا عنه حيناً بعد حين في ثنايا تعاليمهم، وأبرز شخصيتين بين هؤلاء هما:"ياجنافالكيا" الرجل و "جارجي" المرأة التي لها شرف الانخراط في سلك أقدم الفلاسفة، وقد كان "ياجنافالكيا" أحد لساناً من زميلته، ونظر إليه زملاؤه نظرهم إلي مجدد خطر، ثم جاء الخلف فاتخذ مذهبه أساساً للعقيدة السليمة التي لا يأتيها الباطل (١٠١)، وهو يحدثنا كيف حاول أن يترك زوجتيه ليكون حكيماً راهباً، وأننا لنلمس في رجاء زوجته "ميتريى" له أن يأذن لها بصحبته، كم كان شغف الهند مدى قرون طوال بمتابعة التفكير في الفلسفة والدين.
"وبعدئذ كان ياجنافالكيا" على وشك أن يبدأ لوناً جديداً من ألوان الحياة.
قال ياجنافالكيا:"ميتريى! انظري، فأنا على وشك الرحيل من هنا لأجوب أقطار الأرض، فأصغيا إليّ أنت و "كاتيايانى" أقل لكما قولاً أخير".
وهنا تكلمت ميتريى: إذا ملئت لي هذه الأرض كلها الآن يا مولاي بالغني، أأكون بهذا كله بين الخالدين؟ "،
فأجابها ياجنافالكيا: "كلا! كلا! يستحيل أن يكون الثراء طريق الخلود".
وهنا تكلمت ميتريي: "فماذا عساي أن أصنع بمال لا يخلدني؟ اشرح لي يا مولاي كل ما تعلمه" (١٠٢).