فلما عاد إلى العمل وجد نفسه في مأزق حرج؛ ذلك أنه إذا اختار باباً آخر عاد إلى ما كان في العالم المسيحي من انقسام ثلاثي، لأن كثيراً من أقاليمه كانت لا تزال تطيع بندكت أو جريجوري. وأنقذ جريجوري المجلس من ورطته بعمل دل على دهائه وشهامته: فقد وافق على أن يستقيل بشرط أن يسمح له بأن يدعو المجلس مرة أخرى ويخلع عليه الصفة الشرعية بما له من سلطة بابوية. ودعا المجلس إلى الانعقاد بهذه الصفة الجديدة، وقبل استقالته جريجوري في الرابع من شهر يوليه سنة ١٤١٥، وأيد صحة من عيّنهم في مناصبهم، واختاره حاكماً من قبل البابا على أنكونا حيث عاش هدوء طيلة السنتين الباقيتين من حياته.
أمّا بندكت فقد أصرّ على المقاومة، ولكن كرادلته تخلّوا عنه وتصالحوا مع المجلس، ولمّا حلّ اليوم السادس والعشرون من يوليه خلعه المجلس، فآوى إلى القصر الحصين الذي تقيم فيه أسرته في بلنسية، حيث مات في سن التسعين، وهو لا يزال يعد نفسه بابا بحق. وأصدر المجلس في شهر أكتوبر قراراً يحتم دعوة مجلس عام آخر إلى الانعقاد في خلال خمس سنين، وفي اليوم السابع عشر من نوفمبر اختارت لجنة المجلس الانتخابية الكردنال أدوني كولنا Oddone Colonna لمنصب البابوية، وتسمّى باسم البابا مارتن الخامس Martin V؛ وارتضاه العالم المسيحي بأجمعه، وبذلك انقضى عهد الانشقاق الأعظم بعد فوضى دامت تسعاً وثلاثين سنة.
وهكذا وصل المجلس إلى غرضه الأول، ولكن نجاحه في هذه النقطة حال بينه وبين تحقيق غرضه الآخر وهو إصلاح المسيحية. ذلك أنه لمّا جلس مارتن الخامس على عرش البابوية استمسك بكل ما لها من سلطان وامتيازات، فأغضب بذلك سجسمند الذي هو الرئيس الأعلى للمجلس، ثم لجأ إلى المجاملة والدهاء فأخذ يخاطب كل طائفة من الجماعات القومية الممثلّة في المجلس ويفاوضها في عقد معاهدة معها على حدة خاصة بإصلاح الكنيسة.