نفسه، في حماسته المعمارية حمل ألفي عربة وخمسمائة من الرخام وصخور الترافرتين أخذها من الكلوسيوم، ومن حلبة مكسيموس وغيرهما من العمائر القديمة لكي يعيد بها بناء كنائس روما وقصورها (٧). وكان انتهاج عكس هذه الخطة، والاحتفاظ بما بقى من الآثار الفنية والأدبية الرومانية واليونانية القديمة يتطلبان ثورة في التفكير الكنسي. وكانت منزلة النزعة الإنسانية في الأدب قد علت علوّاً كبيراً، وكانت الدوافع التي وراس الحركة الوثنية الجديدة قد اشتدت وقويت، والصبغة التي اصطبغ بها زعماؤها قد عظم تأثيرها، بحيث لم تر الكنيسة بدّاً من أن تجد مكاناً لهذه التطورات التي حدثت في الحياة المسيحية، وإلاّ خسرت الطبقات المثقفة في إيطاليا، ولعلها تخسر بعد ذلك هذه الطبقات في أوربا كلها. ومن أجل هذا احتضنت النزعة الإنسانية في أيام نقولاس الخامس، وانحازت بشجاعة ونبل إلى جانب الأدب الجديد والفن الجديد وتولت زعامتهما، وظلت مائة عام- تعد من أكثر الأعوام بهجة ورواء- (١٤٤٧ - ١٥٣٤) تتيح لعقل إيطاليا قدراً عظيماً من الحرية- الحرية التي لا يفيد منها العقل كما يقول فيليلفو- وللفن الإيطالي مناصرة، وفرصاً، ودوافع قائمة على التمحيص والتمييز جعلت روما مركز للنهضة، ومكّنتها من أن تستمتع بعصر من أكثر العصور لألاء في تاريخ البشرية.