بدأت محاباة الأقارب، وهي الخطة التي اتبعها البابوات، واحداً بعد واحد فوهبوا المناصب البابوية لأبناء أخوتهم وأخواتهم وغيرهم من أقاربهم، وكانوا في كثير من الأحيان أبناء البابا نفسه، وأغضب كلكستس الإيطاليين إذ أحاط نفسه برجال اختارهم من بلده فأضحت روما الآن يحكمها القطلانيون. على أن البابا كانت تدعوه إلى ذلك أسباب معقولة: منها أنه كان أجنبياً في روما؛ وأن الأعيان والجمهوريون كانوا يحيكون المؤامرات ضده، وكان يريد أن يكون بالقرب منه رجال يعرفهم، يحمونه من الدسائس - بينما كان يوجّه اهتمامه إلى أهم ما يعنيه - ألا وهو الحرب الصليبية. هذا إلى أن البابا كان يريد أن يكون ثمة نفر من أصدقائه في مجمع الكرادلة الذي لا ينفك لجعل البابوية ملكية انتخابية ودستورية، تخضع في جميع قراراتها للكرادلة بوصفهم مجلساً للشيوخ أو مجلساً مخصوصاً، وكان البابوات يقاومون هذه الحركة، وأفلحوا في التغلب عليها، كما كان الملوك يحاربونها، وكما أفلحوا في القضاء عليها، لا فرق بين هؤلاء وأولئك. وكان النصر في كلتا الحالتين حليف الملكية المطلقة؛ ولكن لعل استبدال الاقتصاد القومي بالاقتصاد المحلي، واتساع مجال العلاقات الدولية وتعقّدها، يتطلبان، إلى وقت ما، تركيز الزعامة والسلطان. وأنهك كلكستس آخر قطرات نشاطه في محاولته غير المجدية لإثارة أوربا والأهابة بها إلى مقاومة الأتراك. ولمّا مات احتفلت روما بانتهاء حكم "البرابرة" لها. ولمّا رشّح الكردنال بكولوميني Piccolomini خلفاً له، ابتهجت روما كما لم تبتهج من قبل لاختيار أي بابا في خلال المائتي العام الأخيرة.