سحر وخفة عوضا ما كان ينقص كاتبها من قوة العقيدة أو التمسك بالمبدأ، وكان يسعه أن ينتقل من حديث عن "شقاء حياة البلاط"(٢٦) التي يقول فيها إن "الرذائل كلها تنصب في بلاط الملوك كما تنصب مياه الأنهار في البحار" إلى رسالة في "طبيعة الخيل والعناية بها". وكان من الخصائص الأخرى لذلك العصر أن خطابه الطويل في التربية ـ الذي كتبه إلى لادسلاس ملك بوهيميا، ولكنه كان يقصد نشره - لم يقتبس فيه إلاّ من الكتّاب الوثنيين، اللهم إلاّ عبارة واحدة اقتبسها من غيرهم، وأنه لم يضرب إلاّ أمثلة مستمدة من هؤلاء الكتّاب، وأنه نظم عقود المديح لدراسات الإنسانية، وحث الملك على أن يعد أبناءه لتحم لمشاق الحرب وتبعاتها لأن "المسائل الجدية لا تسوّيها القوانين بل قوة السلاح"(٢٧). وتعد مذكراته التي كتبها عن أسفاره خير ما كتب من نوعها في أدب النهضة كله، ذلك أنه لم يكتف بوصف المدن والمناظر الريفية وصفاً ذا فتنة ومتعة؛ بل وصف فوق ذلك صناعات البلاد التي زارها، وغلاتها، وأحوالها السياسية، ونظمها الحكومية، وعادات أهلها وأخلاقهم، ولم يكتب أحد بعد بترارك عن الريف بمثل ما كتب هو من حب وإعزاز. وكان هو دون غيره من الإيطاليين في قرون عدة الذي أحب ألمانيا؛ وكان يجد كلمة طيبة يقولها عن الصخابين من أهل المدن الذين يملأون الهواء بأغانيهم ويملأون بالجعة بطونهم، بدل أن يغتال بعضهم بعضاً في الشوارع. وكان يصف نفسه بأنه حريص على أن يرى مختلف الأشياء (٢٨)، وكن من أقواله المأثورة التي يكررها على الدوام "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال"(٢٩). وحول قلمه المطواع لكتابة التاريخ، فكتب عدة تراجم قصيرة للمشهورين من معاصريه؛ وكتب سيرة بترارك، وتاريخ الحرب الهوسية Hussite Wars، وموجزاً لتاريخ العالم. ثم وضع خطة لكتابة تاريخ العالم وجغرافيته أكبر من التاريخ السابق، وظل يعمل فيه وهو بابا، وأتم قسمه الخاص بآسية والذي عني