من الاضطراب بحيث لم يكن يسيراً عليهم أن يحددوا لكل طفل أباه؛ ونتيجة ذلك هي أن المرأة البدائية الأولى قلما كانت تعنى بالبحث عمن يكون والد طفلها؛ أن الطفل طفلها هي، وهي لا تنتمي إلى زوج بل إلى أبيها - أو أخيها - وإلى القبيلة، لأنها إنما تعيش مع هؤلاء، وهؤلاء هم كل الأقارب الذكور الذين يعرفهم الطفل (٢٩) على أنهم ذوو قرباه، لهذا كانت روابط العاطفة بين الأخ وأخته أقوى منها بين الزوج وزوجته، وفي كثير من الحالات كان الزوج يقيم مع أسرة أمه وقبيلتها، لا يرى زوجته إلا زائراً متستراً، وحتى في المدنية القديمة كان الأخ أعز عند المرأة من زوجها، فزوجة "انتافرنيز" أنقذت أخاها لا زوجها من غضبة "دارا" كذلك "انتجونا" ضحت بنفسها من أجل أخيها لا من أجل زوجها (٣٠)"فالفكرة القائلة بأن زوجة الرجل هي أقرب إنسان في الدنيا إلى قلبه، فكرة حديثة نسبياً، ثم هي فكرة لا تراها إلا في جزء صغير نسبياً من أجزاء الجنس البشري"(٣١).
إن العلاقة بين الوالد والأبناء في المجتمع البدائي هي من الضعف بحيث يعيش الجنسان منفصلين في عدد كبير من القبائل؛ ففي استراليا وغيانة البريطانية الجديدة، وفي إفريقية وميكرونيزنا، وفي أسام وبورما، وبين الألوشيين والإسكيمو والساموديين، وهنا وهناك من أرجاء الأرض، قد ترى إلى اليوم قبائل لا تجد فيها للحياة العائلية أثراً فالرجال يعيشون معتزلين النساء، ولا يزورونهن إلا لماما، حتى الطعام ترى كلا من الفريقين يأكل بعيداً عن الأخر؛ وفي شمالي بابوا لا يجوز للرجل أن يرى مجتمعاً بامرأة أمام الناس حتى وإن كانت تلك المرأة أم أبنائه؛ والحياة العائلية ليست معروفة في "تاهيتي" على الإطلاق، ومن انفصال الجنسين على هذا النحو تنشأ العلاقات السرية - عادة الاتصال بين الرجال والرجال - التي تراها في كل الأجناس البدائية، وهي مَهْرب يلوذ به الرجال في