وإذا كان لابد لك أن تطلب إليه منه، فاطلبها بالتواضع والخضوع الذين يسرانه ويوائمان مزاجه. استودعك الله (٢).
وتوفي لورندسو قبل أن يمضي بعد هذا الوقت شهر واحد، ولم يكد جيوفني يصل إلى "بؤرة الفساد والظلم". حتى عجّل بالعودة إلى فلورنس ليؤيد بيرو أخاه الأكبر في أن يرث سلطانه السياسي المزعوم. وكان من المصائب القليلة التي لاقاها جيوفني في حياته أنه كان في فلورنس حين سقط بيرو عن عرشه. ولم يجد هو وسيلة للنجاة من غضب المواطنين على آل ميديتشي، ذلك الغضب الذي لم يفرقوا فيه بين أفراد هذه الأسرة، إلا أن يتخفى في زي راهب فرنسيسي، وأن يشق طريقه وهو متخف في هذا الزي بين الجماهير المعادية، وأن يطلب الالتحاق بدير سان ماركو الذي سخا عليه أسلافه بالهبات، ولكنه كان وقتئذ تحت سيطرة سفنرولا عدو أبيه. ولهذا أبى الرهبان قبوله فيه، فاختفى وقتاً ما في إحدى ضواحي المدينة، ثم اتخذ سبيله فوق الجبال لينضم إلى أخوته في بولونيا؛ وقد تجنب الذهاب إلى روما لأنه كان يكره الإسكندر السادس؛ وعاش ست سنين هارباً أو منفياً، ولكن يلوح أنه لم يكن في خلالها يعوزه المال. وقد زار في هذه الأثناء مع جويليو ابن عمه (الذي أصبح فيما بعد الباب كلمنت السابع) وبعض أصدقائه ألمانيا، وفلاندرز، وفرنسا. ثم اصطلح آخر الأمر مع الإسكندر فاتخذ مقامه في روما (١٥٠٠).
وأحبه كل من كان في تلك المدينة. فقد كان متواضعاً، بشوشاَ، سخياً في غير تظاهر، وقد بعث بهبات قيّمة إلى معلميه بوليتيان وكلكنديلس، وأخذ يجمع الكتب والتحف الفنية؛ وحتى دخله الكبير نفسه لم يكد يفي بما يقدمه من هبات الشعراء، والفنانين، والموسيقيين، والعلماء. وكان يستمتع بجميع فنون الحياة وطيباتها؛ بيد أن جيوتشيارديني Guicciardini الذي لم يكن قلبه يخلو من كره للبابوات، يصفه بأنه "قد اشتهر بأنه إنسان