للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يسعه أن يكذب كما يكذب الدبلوماسي إذا أرغمته الظروف على الكذب، وكان من حين إلى حين يتفوق على الساسة الغادرين الذين يريدون أ، يوقعوه في حبائلهم. لكنه كان في أكثر الأحيان ذا قلب رحيم؛ ونتبين هذا حين نهى (دون جدوى) عن استعباد الهنود الأمريكيين، وحين بذل كل ما في وسعه ليقاوم وحشية محاكم التفتيش التي كان يلجأ إليها فرديناند الكاثوليكي (١٢). وكان رغم نزعته الدنيوية العامة يؤدي جميع واجباته الدينية بذمة وأمانة، فكان يصوم، ولا يرى أي تناقض أساسي بين الدين والمرح، وقد اتهم بأنه قال لبمبو يوماً ما: "إن الأجيال جميعها لتعلم حق العلم كيف أفدنا من هذه الخرافة - خرافة المسيح"؛ ولكن المصور الوحيد الذي ورد فيه هذا القول هو مؤلًّف جدلي عنيف يسمى موكب البابوات The Pageant of Popes كتبه حوالي ١٥٧٤ رجل إنجليزي لا شأن له يدعى جون بيل john Bale، وحتى بايل الذي لا يؤمن بدين ورسكو Rosucoe البروتستنتي يرفضان هذه القصة ويعتقدان أنها هي نفسها خرافة (١٣).

وكانت متعه ومسرّاته تختلف من الفلسفة إلى المهرجين الماجنين. وكان قد تعلم على مائدة أبيه أن يقدر الشعر، والنحت، والتصوير، والموسيقى، والخط الجميل، وزخرفة الكتب، والمنسوجات الرفيعة الجميلة، والمزهريات والزجاج، وكل أشكال الجمال مع جواز استثناء أصلها ومعيارها وهو المرأة؛ وكانت رعايته للفنانين والشعراء جرياً منه في روما على التقاليد الكريمة التي كان يسير عليها أسلافه في فلورنس، وإن كان استمتاعه بالفنون شاملاً شمولاً لا يصل به إلى حد الذي يجعله هادئاً مرشداً للذوق الفني. وقد كانت طبيعته السهلة مانعة له من أن يعني بالفلسفة عناية جدية، وكان يعرف أن النتائج والأحكام المستخلصة من المقدمات المنطقية كلها زعزعة غير أكيدة، ولم يشغل باله بما وراء الطبيعة بعد أن غادر الكلية الجامعية. وكان في أثناء