العادي الساذج، الذي ليس أكثر من فرد في جماعة، فكان يحرث الأرض ويستخرج منها المعادن، ويجر عربات النقل أو يحمل الأثقال، ويكد ويكدح من مطلع الفجر إلى غسق الليل، حتى إذا أمسى المساء أنهكه التعب فلم يجد في نفسه قدرة على التفكير. ومن أجل هذا كان يتلقى آراءه، ودينه، وما يجيب به عن ألغاز الحياة من الهواء الذي يحيط به، أو يرثها من كوخ آبائه وأجداده؛ فكان يترك غيره يفكرون لأن غيره من الناس كانوا يرغمونه على أنه يعمل لهم؛ ولم يكن يكتفي بقبول العجائب التي تخلب لبه، وتربح نفسه، وتلهمه وتروعه، والتي يحتويه دينه التقليدي- وهي عجائب كان يتكرر انطباعه في عقله كل يوم عن طريق العدوى، والتلقين، والفن- بل كن يضيف إليها من ثنايا عقله الشياطين، والسحر والنذر، والتنبؤ بالغيب، والتنجيم، وعبادة المخلفات، وصنع المعجزات التي يتألف منها ما يمكن أن نسميه الميتافيزيقا الشعبية التي لا تجيزها الكنيسة وتستنكرها وترى فيه مشكلة تسبب لها من المتاعب أكثر مما يسببه عدم الأيمان. وبينا كان الرجل الممتاز في إيطاليا أرقى من مثيله في طبقته من أبناء ما وراء الألب في الثروة والثقافة بنصف قرن أو أكثر، كان الرجل العادي المقيم في جنوب الألب يشارك نظراءه في شمال تلك الجبال في كل ما كان سائدا في ذلك العصر من خرافات وأوهام.
وكثيرا ما كان الكتاب الإنسانيون أنفسهم يسلمون عقولهم لسخافات بيئتهم، وينثرون في الصحف التي تفيض بالفصاحة الشيشرونية روح هذه البيئة أو سخافاتها إن شئت. فها هو ذا بجيو مثلا يرتع ويمرح وسط النذر وغرائب المخلوقات كالفرسان الذين لا رؤوس لهم والذين يهاجرون من كومو إلى ألمانيا؛ أو آلهة البحار الملتحين الذين يخرجون من أعماق البحار ليختطفوا النساء الحسان من شواطئها (١). وها هو ذا مكيفلي المتشكك في الدين لا يستبعد أن يكون "الهواء مليئا بالأرواح" ويجهر باعتقاده أن الحوادث الخطيرة