الفلك، والقانون، والطب، والآداب ملتقى الطلاب من أكثر عشرة أقطار، ولما أن أتم تومس ليماكر Thomas Lamacrel الطبيب والعالم الإنجليزي دراسته الجامعية في إيطاليا وقفل راجعا إلى إنجلترا في جبال الألب الإيطالية مذبحاً، ودشنه وهو يلقي آخر نظرة على إيطاليا باسم هذه البلاد الأم الحنون للعلم منشئة الدراسات وجامعة العالم المسيحي التي يواصل فيها العلماء دراساتهم بعد تخرجهم.
وإذا لم يكن العلم قد تقدم خلال القرنين السابقين على أيام فيساليوس Vesalius، (١٥١٤ - ١٥٦٤) إلا تقدما يسيرا في هذا الجو المشبع بالخرافات من أسفل، وبالتحرر العقلي من أعلى، فقد كان أكبر السبب في هذا أن المناصرة والتكريم كانا موجهين إلى الفن، والمنح مخصصة للادب، وللشعر، ولم تكن قد قامت بعد دعوة واضحة للأساليب والأفكار العلمية في حياة إيطاليا الاقتصادية والعقلية. وكان يسع رجلا مثل ليوناردو أن يكون ذا نظرة كونية شاملة، ويمس أكثر من عشرة علوم بعقلية الطُّلعَة المتشوف، ولكن البلاد كانت خالية من المعامل العلمية الكبرى، وكان تشريح الأجسام لا يزال في بدايته، ولم يكن ثمة مجهر يستعان به على دراسة علم الاحياء أو الطب، أو مرقب يكبر الكواكب ويأنى بالقمر على حافة الأرض. وكان حب الجمال السائد في العصور الوسطى قد نضج حتى عاد فنا فخما جليلا، ولكن لم يكن في تلك العصور حب للحقيقة ينمو حتى يصير علما، وكان كشف الآداب القديمة قد بعث في الناس نزعة أبيقورية متشككة تمجد القديم وتتخذه مثلا أعلى بدل أن تجعلهم يخلصون إخلاص الرواقيين للبحوث العلمية التي تهدف إلى تشكيل المستقبل. ذلك أن النهضة قد وهبت روحها للفن، ولم تترك للادب منها إلا القليل، وتركت أقل من هذا القليل للفلسفة، وأقل من هذا وذاك العلوم. ولهذا كان ينقصها من هذه الناحية ذلك النشاط العقل الأشكال والذي أمتاز به العصر الذهبي اليوناني من أيام بركليز