ولقد كان الأطباء في جميع البلاد والعهود المتحضرة ينافسون النساء فيما يمتزن به من أنهن أكثر من يشتهى بنو الإنسان أكثر من بهجون.
وكان الأساس الذي قام عليه تقدم الطب هو بعث التشريح. ذلك أن خدم الكنائس كانوا يتعاونون مع الأطباء كما كانوا يتعاونون مع الفنانين، فيقدمون جثث الموتى لتشرح في المستشفيات التي يشرف عليها أولئك الأطباء. فكان مندينو ده لوتسى Mondino de' Luzzi مثلا يشرح جثث الموتى في بولونيا وكتب كتابا في "التشريح Anatomia (١٣١٦) بقى مرجعا من أهم المراجع مدى ثلاثة قرون. على أنه كان يصعب على الأطباء مع ذلك أن يحصلوا على الجثث، وحدث في عام ١٣١٩ أن سرق بعض الطلاب في بولونيا جثة في إحدى المقابر وجاءوا بها إلى أستاذ في الجامعة شرحها أمامهم ليدرسوا أجزاءها، فسبق الطلاب للمحاكمة، ولكنهم برئوا، وأخذ ولاة الأمور المدنيون من ذلك الوقت يغضون الطرف عن استخدام جثث المشنوقين التي لا يطالب بها أحد في "التشريحات"(١٨). ويعزى إلى بيرينجاريودا كبرى Berengario de Capri، (١٤٧٠ - ١٥٥٠) أستاذ التشريح في جامعة بولونيا أنه شرح مائة جثة (١٩). وكان التشريح يحدث في جامعة بيزا منذ عام ١٣٤١ إن لم يكن قبله، وسرعان ما سمح به في جميع مدارس الطب بإيطاليا ومنها مدرسة الطب البابوية القائمة في روما، وأجاز سكستس السادس (١٤٧١ - ١٤٨٤) هذا التشريح رسميا (٢٠).
واستعاد التشريح في عهد النهضة على مهل تراثه المنسي في عهد اليونان والرومان الأقدمين؛ وحرره رجال أمثال أنطونيو بنيفيني Antonio Beniveni، وألسندرو أكيلنى Alessandro Achillnni، وألسندرو بينيدتي Alessandro Beneditti وماركانطونيو دلانورى Marcantonio della Torre، حرره هؤلاء من سيطرة العرب، وعادوا به إلى جالينوس وأبقراط، وشكوا حتى في هذين العميدين المقدسين، وأضافوا إلى المعارف