وكان الأطباء الدجالون لا يزالون كثيري العدد، ولكن القانون أصبح وقتئذ يعنى بتنظيم مهنة الطب أكثر من ذي قبل؛ فكانت العقوبات توقع على الذين يمارسون الطب دون أن يحصلوا فيه على درجة علمية؛ وكان حصولهم عليها يتطلب دراسة منهج فيه يدوم أربع سنوات (١٥٠٠)؛ ولم يكن يسمح لأي طبيب بأن يشخص مرضا خطيرا إلا إذا ضم إليه زميلا له. وكانت شرائع البندقية تحتم على الأطباء والجراحين أن يجتمعوا كل شهر ليتبادلوا المذكرات الطبية، وأن يحتفظوا بجدة معلوماتهم بالاستماع إلى منهج في التشريح مرة كل عام على الأقل. وكان يفرض على طالب الطب وقت تخرجه أن يقسم بألا يطيل على مريض زمن مرضه، وأن يشرف على تحضير الدواء الذي يصفه له، وألا يشارك الصيدلي في الثمن الذي يتقاضاه نظير إعداد الدواء. وحدد هذا القانون نفسه (قانون البندقية الصادر في عام ١٣٦٨) أجر الصيدلي نظير تحضير الدواء بعشرة صلديات (٢٢). والصلدى عملة لا يستطاع الآن تقدير قيمتها. وقد وصلت إلى علمنا عدة حالات جعل فيها شفاء المريض شرطاً لتقاضي الطبيب أجره وذلك بناء على تعاقد خاص بينهما (٢٣).
وأخذت الجراحة ينتشر صيتها انتشاراً سريعاً كلما اقترب سجل عملياتهم وآلاتها مما كان عليه من التنوع والانفاق في عهد المصريين الأقدمين. من ذلك ان برناردو دا رابلو Bernardo da Rapallo ابتكر الجراحة العجائبية لاستخراج الحصوة (١٤٥١)؛ واشتهر مريانو سانتو Mariano Santo بكثرة نجاحه في استخراج حصاة المثانة بالشق الجانبي (حوالي ١٥٣٠) وابتكر جيوفني دا فيجو جراح يوليوس الثاني وسائل لربط الشرايين والأوردة خيرا من الوسائل التي كانت معروفة من قبل؛ وعادت الجراحة التعويضية التي كانت معروفة للأقدمين إلى الظهور في صقلية حوالي عام ١٤٥٠؛ وكانت الأنوف، والشفاه، والآذان المشدوهة تصلح بترقيعها