العبث أن يثور بيننا النزاع حول خوارق الطبيعة لأن هذه الخوارق بعيدة عن مداركنا. والأديان كلها في رأيه تقوم على افتراض صحة الأساطير، ولكن هذا مما يمكن اغتفاره إذا كانت هذه الأديان تساعد على الاحتفاظ بالنظام الاجتماعي والتأديب الأخلاقي؛ ذلك بأن الإنسان، كما يراه جوتشيارديني، أناني يعمل لنفسه، فاسد الأخلاق، خارج على القانون؛ ولهذا وجب أن توضع في سبيله، في كل خطوة يخطوها، عوائق من العادات، والأخلاق، والقوانين، والقوة، والدين في العادة أقل الوسائل الموصلة إلى هذه الغاية مدعاة للنفور. ولكن إذا ما فسد الدين حتى أصبح عاملاً على فساد الأخلاق بدلا من أن يكون سبباً في صلاحها، فإن المجتمع تسوء حالته لأن الدعامة الدينية التي يستند إليها قانونه الأخلاقي قد تقوضت من أساسها، ويكتب جوتشياديني في سجله السري يقول:
ليس ثمة من يبغض الطمع، والشره، ومظاهر الإفراط في القساوسة كما أبغضها أنا، وليس ذلك لأن كل الشرور بغيضة في ذاتها فحسب، بل لأن … هذه الشرور يجب ألا يكون لها مكان عند رجال يفترض فيهم أنهم ذوو علاقة خاصة بالله … ولقد كانت علاقتي ببعض البابوات مما جعلني أرغب في مثل عظمتهم مضحياً في سبيل ذلك بمصالحي نفسها. ولولا هذا الاعتبار لأحببت مارت لوثر كما أحب نفسي؛ وليس ذلك لأني أحب أن أكون حراً طليقاً من القيود التي تفرضها علينا المسيحية … بل لأني أحب أن أرى هذا الحشد من الأوغاد ( questa caterva di scelerate) محصورين في نطاق الحدود الواجبة، فإما أن يحيوا حياة مبرأة من الإجرام أو حياة مجردة من السلطان (٧٢).
ولكن أخلاقه مع ذلك قلما كانت خيراً من أخلاق القساوسة؛ وكان القانون الذي وضعه لحياته هو أن يكيف نفسه في كل ساعة حتى تتفق مع أقوى سلطة قائمة. أما مبادئه العامة فقد اختص بها كتبه، وفيها هي أيضا يستطيع أن يكون ساخراً سخرية مكيفلي: