فأخذ براهما العظيم- يا "كفاذا"- أخانا ذاك ونحاه جانباً وقال:
"إن هذه الآلهة التي منها تتألف حاشية براهما، تعتقد أني- يا أخي- أرى كل شئ وأعلم كل شئ وأتبين حقيقة كل شئ؛ ولهذا لم أجبك في حضرتهم؛ ولكنني، أيها الأخ، لست أدري أين تذهب هذه العناصر الأربعة الكبرى- التراب والماء والنار والهواء- بحيث لا تترك وراءها أثراً (٥٠).
فإذا ما قال لبوذا بعض تلاميذه، إن البراهمة يزعمون الإلمام بحلول هذه المسائل، أجابهم بوذا ساخراً: "هنالك يا إخواني بعض الرهبان وبعض البراهمة يتلوون مثل ثعابين الماء، فإذا ما ألقيت عليهم سؤالاً في هذا الموضوع أو ذاك، عمدوا إلى غموض القول، وإلى تلوي الثعابين" (٥١)؛ ولو بدت من بوذا حدة إزاء أحد إطلاقاً، فإنما كان حاداً تجاه كهنة عصره، فهو يهزأ بدعواهم أن أسفار الفيدا من وحي الإله (٥٢)، ويفضح البراهمة المعتزين بطبقتهم بقبوله في طائفته أعضاء الطوائف جميعاً بغير تفريق؛ إنه لا يهاجم نظام الطبقات مهاجمة صريحة، لكنه يقول لتلاميذه في وضوح وجلاء: "انتشروا في الأرض كلها وانشروا هذه العقيدة؛ قولوا للناس إن الفقراء والمساكين، والأغنياء والأعيان، كلهم سواء، وكل الطبقات في رأي هذه العقيدة الدينية تتحد لتفعل فعل الأنهار تصب كلها في البحر" (٥٣)، وهو يرفض الأخذ بفكرة التضحية في سبيل الآلهة، ويفزع أشد الفزع لرؤية الحيوان يذبحونه ليقيموا أمثال هذه الطقوس (٥٤)؛ ويرفض كل اعتقاد وكل عبادة لكائنات أعلى من هذه الطبيعة، ويربأ بنفسه عن التعزيم والرقى والتقشف والدعاء (٥٥)، ويقدم للناس في هدوء وبغير محاجة ولجاج ديناً حراً أكمل الحرية من جمود الفكر ومن صناعة الكهنوت، ويفتتح طريقاً للخلاص، للكافرين والمؤمنين أن يسلكوه على السواء.