ولم تكن بعد قد أصبحت مجرد زينة وتحفة، أو مجرد لعبة جنسية، بل كانت حيواناً قوي البنية قادراً على أداء العمل الشاق مدى ساعات طويلة، بل كانت لها القدرة - إذا دعت الضرورة - على المقاتلة حتى الموت في سبيل أبنائها وعشيرتها؛ قال رئيس من رؤساء قبيلة "تشبوا" Chippewas " خلق النساء للعمل، فالواحدة منهن في وسعها أن تجر من الأثقال أو تحمل منها ما لا يستطيعه إلا رجلان، وهن كذلك يقمن لنا الخيام ويصنعن الملابس ويصلحنها ويدفئننا في الليل .. . إنه ليستحيل علينا أن نرحل بغيرهم، فهن يعملن كل شيء ولا يكلفن إلا قليلاً؛ لأنهن ما دمن يقمن بالطهي دائماً، فأنهن يقنعن في السنين العجاف بلعق أصابعهن"(٤٠)
إن معظم التقدم الذي أصاب الحياة الاقتصادية في المجتمع البدائي كان يعزى للمرأة أكثر مما يعزى للرجل، فبينما ظل الرجل قروناً مستمسكاً بأساليبه القديمة من صيد ورعي، كانت هي تطور الزراعة على مقربة من محال السكنى، وتباشر تلك الفنون المنزلية التي أصبحت فيما بعد أهم ما يعرف الإنسان من صناعات؛ ومن "شجرة الصوف" - كما كان الإغريق يسمون نبات القطن - جعلت المرأة تغزل الخيط وتنسج الثياب القطنية (٤١)؛ وهي التي - على أرجح الظن - تقدمت بفنون الحياكة والنسج وصناعة السلال والخزف وأشغال الخشب والبناء، بل هي التي قامت بالتجارة في حالات كثيرة (٤٢)؛ والمرأة هي التي طورت الدار، واستطاعت بالتدريج أن تضيف الرجل إلى قائمة ما استأنسه من حيوان، ودربته على أوضاع المجتمع وضروراته التي هي من المدنية أساسها النفسي وملاطها الذي يمسك أجزاء البناء؛ لكن لمّا تقدمت الزراعة وزاد طرحها، أخذ الجنس الأقوى يستولي على زمامها شيئاً فشيئاً (٤٣)؛ وكذلك وجد الرجل في ازدياد تربية الماشية مصدراً جديداً للقوة والثروة والاستقرار؛ حتى الزراعة التي لابد أن تكون قد بدت لعمالقة العصر القديم الأشداء عملاً بارداً، أقبل عليها الرجل آخر الأمر بعد