للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النفس، والبحث عن الحقيقة، والنشاط، والهدوء، والغبطة، والتركيز، وعلو النفس (٧٣)؛ تلك هي مكنونات النرفاثا، لكنها تكاد لا تكون عواملها التي تسبب وجودها، أما العامل المسبب لوجودها، والمصدر الذي تنبثق عنه النرفانا، فهو إخماد الشهوة الجسدية؛ وعلى ذلك تتخذ كلمة "نرفانا" في معظم النصوص معنى السكينة التي لا يشوبها ألم، والتي يثاب بها المرء على إعدام نفسه إعداماً خلقياً (٧٤)؛ يقول بوذا: "والآن فهذه هي الحقيقة السامية عن زوال الألم؛ إنه في الحق فناء المرء حتى لا تعود له عاطفة تشتهي، إنه إطّراح هذا الظمأ اللاهث، والتخلص منه والتحرر من ربقته، ونبذه من نفوسنا نبذاً لا عودة له" (٧٥) وأعني به هذه الحمى التي تنتابنا من شهوتنا في البحث عن أنفسنا؛ إن كلمة "نرفانا" في تعاليم الأستاذ الزعيم تكاد دائماً ترادف في معناها كلمة نعيم (٧٦) وهو رضى النفس رضى هادئاً بحيث لا يعنيها بعدئذ أمر نفسها؛ لكن النرفاثا الكاملة تقتضي العدم: وإذن فثواب التقوى في أسمى منازلها هو ألا يعود التقي إلى الحياة (٧٧).

ويقول بوذا إننا في نهاية الأمر ندرك ما في الفردية النفسية والخلقية من سخف؛ إن نفوسنا المضطرمة ليست في حقيقة الأمر كائنات وقوى مستقلاً بعضها عن بعض، لكنها موجات عابرة على مجرى الحياة الدافق؛ إنها عقد صغيرة تتكون وتتكشف في شبكة القدر حين تنشرها الريح؛ فإذا ما نظرنا إلى أنفسنا نظرتنا إلى أجزاء من كل، وإذا ما أصلحنا أنفسنا وشهواتنا إصلاحاً يقتضيه الكل، عندئذ لا تعود أشخاصنا بما ينتابها من خيبة أمل أو هزيمة، وما يعتورها من مختلف الآلام من موت لا مهرب منه ولا مفر، لا تعود هذه الأشخاص تحزننا حزناً مريراً كما كانت تفعل بنا من قبل؛ عندئذ تفنى هذه الأشخاص في خضم اللانهاية؛ إننا إذا ما تعلمنا أن نستبدل بحبنا لأنفسنا حباً للناس جميعاً وللأحياء جميعاً، عندئذ ننعم آخر الأمر بما ننشد من هدوء.