غير داع، وكان يمتاز عن الرومان الأقدمين باستعداده لأن يكون تقياً صالحاً. وكان معجباً بنفسه، غير أن هذا الإعجاب لم يكن إلا وليد إحساسه بالجمال وحسن الشكل. وكان تقديره للجمال في المرأة والطبيعة، وفي الفن والجريمة. هو المصدر الأساسي للنهضة. وقد استبدل حاسة الجمال بالحاسة الخلقية؛ ولو أن هذا الطراز من الرجال قد تضاعف وغلب على غيره لحلت أرستقراطية في الذوق لا تبهظها تبعات محل أرستقراطية المولد أو للثروة.
لكننا نقول مرة أخرى إنه لم يكن غير نوع واحد من أنواع كثيرة من رجل النهضة. ألا ما أعظم الفرق بين بيكو ذي النزعة المثالية واعتقاده بقدرة بني الإنسان على أن يبلغوا بأخلاقهم درجة الكمال، وبين سفنرولا الصارم الذي لا تبصر عينه الجمل، والمنهمك في التقى والاستقامة، وبين رافائيل الظريف الرشيق الذي ينشر الجمال من حوله بسخاء، وميكل أنجيلو ذي الجنة، الذي طغى على عقله التفكير في يوم الحساب قبل أن يصوره، وبوليتيان صاحب النغم الحلو الذي ظن أن الرحمة موجودة حتى في الجحيم، وفنورينودا فلترى الأمين الذي نجح أيما نجاح في المجمع بين زينون والمسيح؛ وجوليانو ده ميديتشي الثاني الذي بلغ من رحمته في عدالته درجة رأى معها أخوه البابا أنه لا يصلح للقيام بأعباء الحكم! ما أعظم الفرق بين هؤلاء مع أنهم جميعاً من رجال النهضة. وإنا لندرك رغم ما نبذله من الجهد في اختصار البحث، وصياغة القواعد العامة، أنه لم يكن ثمة رجل يصح أن يطلق عليه اسم "رجل النهضة". لقد كان في ذلك العصر رجال لا يتفقون إلا في شيء واحد! وهو أن الحياة لم تبلغ من الشدة ما بلغته في تلك الأيام. لقد كانت العصور الوسطى تقول- أو تدعي القول- لا للحياة؛ أما النهضة فكانت تقول لها نعم بقلبها، وروحها، وبكل ما كان فيها من قوة.