هؤلاء الرهبان في حياة بوذا قاعدة بسيطة، فكانوا يحيون بعضهم بعضاً، كما يحيون كل من يتحدثون إليهم بعبارة جميلة هي:"السلام على الكائنات جميعاً"(١) فلم يكن يجوز لهم أن يقتلوا كائناً حياً؛ ولم يكن يجوز لهم أن يأخذوا شيئاً لم يعطوه؛ وكان واجباً عليهم أن يجتنبوا الكذب والنميمة، وأن يصلحوا ما بين الناس من خصومة ويشجعوهم على الوفاق؛ وكان حتماً عليهم أن يظهروا الرحمة دائماً بالناس جميعاً والحيوان جميعاً، وأن يجتنبوا كل لذائذ الحس والجسد، فيجتنبوا الموسيقى ورقصات "ناوتش" والملاهي والألعاب وأسباب الترف واللغو في الحديث والنقاش والتنبؤ بالغيب؛ ولم يكن يجوز لهم أن يؤدوا شيئاً من التجارة بكل صنوف البيع والشراء، وفوق هذا كله، كان لا بد لهم أن يصونوا عفتهم، وأن يجانبوا النساء ويعيشوا في طهر كامل (٨٥)، ولقد توجهت إلى بوذا التماسات كثيرة ناعمة، فاستجاب لها وأذن للنساء أن يدخلن طائفته راهبات، لكنه لم يوافق أبداً من صميم نفسه على هذا القرار، وفي ذلك قال:" إذا لم نأذن يا "أناندا" للنساء بالدخول في طائفتنا، دامت العقيدة الخالصة حيناً أطول، فالتشريع الصالح كان ليقاوم الفناء- بغير دخول النساء- ألف عام؛ أما وقد أذن لهن بالانضمام إلينا، فلن يدوم تشريعنا أكثر من خمسمائة عام"(٨٦)، وكان في ذلك على صواب فعلى الرغم من أن الطائفة العظيمة قد لبثت حتى عهدنا هذا؛ إلا أنها قد أفسدت تعاليم الأستاذ منذ زمن طويل، بما أدخلته عليها من سحر وتعدد للآلهة وخرافات لا تقع تحت الحصر.
ولما دنت حياته الطويلة من ختامها، راح أتباعه يؤلهونه، لم ينتظروا في ذلك موته، على الرغم من أنه كان دائماً يحفزهم على الشك في صحة ما يقوله لهم، حتى يفسح كل منهم مجال التفكير الحر أمام نفسه؛ وورد في محاورة من أواخر محاوراته:
(١) انظر أيضا صيغة السلام الجميلة التي يستعملها اليهود (والمسلمون) "السلام عليكم"؛ فالناس في نهاية الأمر لا ينشدون السعادة، ولكن ينشدون السلام.