الموسيقيون الأجانب وخلفاؤهم قرناً من الزمان المسيطرين على الموسيقى الإيطالية. وظل المغنون في الفرق البابوية حتى زمن سكستس الرابع يفدون إلى إيطاليا من وراء جبال الألب، كذلك سيطرت الأصوات الأجنبية على موسيقى البلاط في القرن الخامس عشر. من ذلك أنه لما مات اسكوارتشيالونى Squarcialuni ( حوالي عام ١٤٧٥) اختار لورندسو رجلاً هولندياً هو هنريخ اسحق Henrich Ysaac ليخلفه في العزف على الأرغن بكاتدرائية فلورنس. وكان هنريخ هو الذي وضع الألحان الموسيقية لبعض أغاني المساخر، ولبعض أغاني بولتيان، وهو الذي علم الرجل الذي أصبح فيما بعد ليو العاشر أن يحب الأغاني الفرنسية- بل أن يؤلف بعضها (١٠٧). وظلت الأغاني الفرنسية وقتاً ما تغنى في إيطاليا، كما كانت قصائد شعراء الفروسية الغزليين تغنى فيها وقتاً ما.
وأثمر غزو الموسيقيين الفرنسيين في إيطاليا، وهو الذي سبق غزو الجيوش الفرنسية إياها بقرن من الزمان، أثمر حوالي عام ١٥٢٠ انقلاباً تاماً في الموسيقى الإيطالية. ذلك أن أولئك الرجال القادمين من الشمال- والإيطاليين الذين دربوا على أيديهم- قد انغمروا في فيض الفن الجديد واستخدموه في تلحين الشعر الغنائي الإيطالي. وقد وجد هؤلاء عند بترارك، وأريستو، وستادسارو، وبمبو- كما وجدوا بعدئذ في تاسو وجواريني- شعراً مطرباً يتحرق شوقاً للموسيقى. ألم يكن الشعر في الواقع يتطلب على الدوام أن يتلى إذا لم يكن يتطلب أن يغنى؟ وكانت مقطوعات بترارك قد أغوت من قبل الموسيقيين، أما الآن فقد لحن كل بيت منها، ولحن بعض مقطوعاتها اثنتي عشرة مرة أو أكثر، حتى لقد اصبح بترارك أكثر من لُحّن له من الشعراء في الأدب العالمي. ولقد كانت هناك أغان صغيرة لا يعرف مؤلفوها، ولكنها تعبر عن عواطف ساذجة ذات حيوية تمس شغاف كل قلب، وتنادي أوتار كل آلة. انظر مثلا إلى هذه الأغنية: