الآدمي، ولذلك كان جميع الفنانين الفارهين في عصر النهضة مغنين. لكننا نسمع في وقت تعميد ألفنسو صاحب فيرارا في عام ١٤٧٦ عن حفل في قصر اسكفانيو Schifanio كانت فيه حفلة موسيقية اشترك فيها مائة من النافخين في الأبواق والزمارين والضاربين على الطنبور. وفي القرن السادس استخدم مجلس السيادة في فلورنس فرقة منتظمة من الموسيقيين كان منها تشلينى. وكانت عدة آلات يعزف عليها في ذلك العهد مجتمعة، ولكن هذا النوع من الحفلات قد اختصت به القلة الأرستقراطية. أما العزف المفرد على الآلات فقد كان شائعاً إلى حد يشبه الجنون، فلم يكن الناس يؤمون الكنائس للصلاة على الدوام، بل كانوا يؤمونها في كثير من الأحيان ليستمعوا إلى عازف شهير على الأرغن مثل اسكوارتشيا لوبى أو أوركانيا Orcagna. ولما أن عزف بيتروبونو Pietro Bono على العود في بلاط يورسو بفيرازا طارت أرواح المستمعين، على حد قولهم، من هذه الدار إلى الدار الآخرة (١١٠). وكان كبار العازفين من أسعد الناس وأحبهم إلى القلوب في تلك الايام، ولم يكونوا يطلبون لأنفسهم حسن السمعة ممن يخلفونهم بل كانوا يحصلون على كل ما يطمعون فيه الشهرة قبل مماتهم.
أما النظريات في الموسيقى فقد تأخرت عن الاعمال بنحو جيل: ذلك أن العازفين كانوا يجددون، أما الأساتذة فكانوا يرفضون، ثم يجادلون، ثم يوافقون. وفي هذه الأثناء صيغت مبادئ الكرصته (١)، والنغمات المتعددة المشتركة، والتسلسل الموسيقي، لكي يسهل تعليم الموسيقى وانتقالها. لهذا لم تكن أعظم السمات الموسيقية في عصر النهضة هي النظريات، بل لم تكن التقدم الفني للموسيقى، بل كانت استحالتها من الصبغة الدينية إلى الصبغة الدنيوية، ولهذا لم تعد الموسيقى الدينية في القرن السادس عشر هي التي تقدمت، وأجريت عليها التجارب، بل كان الذي تقدم وجرب هو موسيقى القصائد