يحرثون الأرض في هدوء وآمن وسط حومات تضطرب بالقتال (٢١).
وكانت سلطة الملك مطلقة من الوجهة النظرية، أما من الوجهة العملية فكان يحدها مجلس للشورى كان من شأنه التشريع- أحيانا في حضور الملك وأحيانا في غيابه- وتنظيم المالية القومية والشئون الخارجية، وهو الذي كان يعين لكل المناصب الهامة في الدولة رجالها؛ ويشهد المجسطي بما كان لأعضاء ذلك المجلس من "خلق سام وحكمة عالية" كما يذكر ما كان لهم من نفوذ فعال (٢٢).
كانت الحكومة مقسمة أقساماً لكل منها واجبات واضحة الحدود، وموظفون يتدرجون في درجاتهم تدرجاً أحسن تدبيره؛ فتقوم هذه الأقسام بالإشراف على الدخل، والجمارك، والحدود، وجوازات السفر، والمواصلات، والضرائب، والمناجم، والزراعة، والماشية، والتجارة، والمخازن، والملاحة، والغابات، والألعاب العامة، والدعارة، وسك النقود- لكل من هذه قسم خاص؛ وكان للمشرف على قسم ضريبة الإنتاج حق رقابة بيع العقاقير والمسكرات، وكان يقيد عدد الخانات ومواضعها، وكمية الخمور التي يجوز لها أن تبيعها؛ وللمشرف على المناجم أن يؤجر مواقع الاستنجام لأفراد يدفعون للحكومة أجراً معلوماً وجزءاً معيناً من الربح؛ وللإشراف على الزراعة نظام كهذا، لأن الأرض كلها كانت ملكاً للدولة؛ وللمشرف على الألعاب العامة الرقابة على قاعات القمار، وأن يقدم الزهر (زهر اللعب) للاعبين ويتقاضاهم رسماً على استخدامه، كما كان يقتطع لخزانة الدولة خمسة في كل مائة مما يدفعه اللاعبون؛ وأما المشرف على الدعارة، فكان من شأنه أن يراقب العاهرات، ويضبط أجورهن ومصروفهن، وكان يحدد لأعمالهن يومين من كل شهر، ويأخذ منهن اثنتين للقصر الملكي، تقومان هناك للمتعة من جهة وللجاسوسية من جهة أخرى؛ وفرضت الضرائب على كل مهنة وكل عمل وكل صناعة؛ أضف إلى ذلك ما كان الأغنياء يحملون على دفعه من "تبرعات" للملك؛ وكانت الحكومة تراقب الأسعار، وتراجع الموازين والمقاييس حيناً بعد حين؛ ثم كان للدولة مصانع خاصة بها تقوم