وتيشيان. وساور مديرو المدرسة بعض الخوف حين شاهدوا ما في التصوير من واقعية مجسمة، وأخذوا يتناقشون في هل يليق بهم أن يعلقوا الصورة على جدرانهم، فما كان من نتورتو إلا أن اختطف الصورة من أيديهم في عنف وكبرياء، وأخذوها إلى منزله. فجاءوه وتوسلوا إليه أن يعيدها لهم، فتركهم قليلا من الوقت تأديباً لهم، ثم أعادها إليهم، وبعث إليه أريتينو كلمة ثناء، ومن ذلك الوقت تفتحت الأبواب أمام مواهبه.
وانهالت عليه الطلبات مجتمعة، فطلبت إليه نحو ست كنائس ودعاه نحو اثني عشر من الأعيان، وستة من الأمراء، ومثل هذا العدد من الدول للقيام بأعمال فنية. وقص لهؤلاء مرة أخرى في مائة من الصور الملحمة المسيحية الكبرى ملحمة خلق العالم، والدين، وفلسفة الموت والبعث والدار الآخرة، من بدء الخليقة إلى يوم الحساب … ولم يكن نتورتو مسيحياً متديناً، - وقلما كان من الفنانين في هذا القرن السادس عشر في البندقية من هو متدين- فقد أثرت في نفوسهم وعقيدتهم المبادئ المنتشرة في بلاد الشرق والإسلام. وكان دينه هو الفن، يقرب له القرابين بالليل والنهار، ولكن أي موضوعات يستطيع المصور أن يتخيلها أرق وأظرف من قصص آدم وحواء، وقصة مريم وطفلها، مأساة الصلب، وتعذيب القديسين وأعمالهم العجيبة، ثم تلك الغاية التاريخية الرهيبة وهي جمع الأحياء والأموات في صعيد واحد أمام قضاء المسيح؟ (١) وخير ما في هذه المجموعة كلها هي صورة
(١) وهاهي ذي طائفة مختارة من صور نتورتو الدينية ليس فيها صور اسكولا دي سان ركو (وجميع الكنائس المذكورة هنا في البندقية): ١ - مناظر من العهد القديم: خلق الحيوانات (البندقية)؛ آدم وحواء (البندقية) - وتمثل منظراً طبيعياً يسقط عليه الضوء بطريقة فذة؛ قابيل وهابيل (البندقية)؛ تضحية إبراهيم (أفيدسي)؛ يوسف وزوجة قوطيفار (برادو)؛ العثور على موسى (الاسكوريال)؛ العجل الذهبي (مادنا دل أورتو)؛ جمع المن (سان جيورجيو مجيوري) - وهيمزيج بديع من المناظر الطبيعية، والرجال، والنساء، والحيوان. ٢ - صور العذراء: مولد العذراء (مانتوا) وهي لا تكاد تقل رشاقة عن صورة كريجيو؛ البشارة؛ الزيارة (بولونيا)؛ العذراء والطفل (كليفلند)؛ العذراء والقديسون (فيرار) - وهي صورة رائعة غير أن القديسين يبدون كأنهم مصارعون تجاوزوا من الثمانين وقد صوروا على طريقة ميكل أنجيلو؛ صعود العذراء (١ - جزويتي)، وتبدو ضعيفة شاحبة اللون إذا قورنت بالصورة التي رسمها تيشيان الموجودة في فيرارا والتي تعد آية من آيات الفن. ٣ - من حياة المسيح: الختان (سانتا ماريا دل كارميني؛ التعميد (سان سلفيسترو، وتوجد نسخة منها في برادو)؛ يسوع في بيت مرثا (ميونخ) - وهي ذات جمال منقطع النظير؛ الزواج في قانا الجليل (مادنا دل سالوتي)؛ المسيح في بحر الجليل (واشنجتن) - وهي تكاد تكون دراسة انطباعية في اللونين الأزرق والأخضر؛ المرأة يقبض عليها وهي تزني (روما، المعرض الأهلي Galleri Nazionale) - وتصور زانية جميلة في صورة مسرفة في مسرحيتها؛ المسيح يغسل أقدام الرسل (الإسكوريال)؛ بعث لعازر (ليبزج)؛ معجزة الخبز والسمك (نيويورك)؛ المسيح والمرأة السامرية (أفيدسي)؛ العشاء الأخير (سان تروفازو، والأخرى في سان استيفانو، وثالثة في سان جيورجيو مجيوري، ورسم بديع في معرض أفيدسي)؛ للصلب (سان كاسيانو)، الخلع (البندقية، وبارما، ويملان، ومعرض بتي)؛ دفن المسيح (سان جيورجيو مجيوري)؛ الهبوط إلى الأعراف (سان كاسيانو)، البعث (مجموعة فارر)؛ في يوم الحساب (مادتا دل أورقو) _ وهي ومحاولة مخفقة لزيادة ما أحدثه ميكل أنجيلو من اضطراب وسخافات في مظلمات معبد ستيني. ٤ - القديسون: القديس أوغسطين يشفي ضحايا الطاعون (نيويورك)؛ معجزة القديس أجنيس (مادتا دل أورتو)؛ القديس جورج والتنين (لندن) وهي دراسة في الضوء والظل كأنها حرب في ظلام الليل؛ زواج القديسة كترين (قصر الدوق)؛ استشهاد القديسة كترين (البندقية) - وفي كلتا الصورتين نرى امرأة جميلة لا يريد قتلها إلا ذو جنة؛ نقل جسم القديس مرقص (البندقية)، والعثور على جسم القدس مرقص (ميلان)، والثانية آية من آيات فن المنظور تمثل نيفاً مظلماً في كنيسة، ورجلا من الأشراف راكعاً في وجل وخشوع قدسي، وصبياً وسيما فاتنا يمسك بركبتيه صبي يتظاهر بالخوف، وصورة رائعة للقديس مرقص يقف منتصباً فوق جثته.