في عبارة بسيطة وباللهجات التي يفهمها الناس، حتى يتسنى لكل هندي يعرف القراءة أن يفهم فحواها؛ ولقد عثرنا على "مرسومات الصخور" في كل جزء من أجزاء الهند تقريباً؛ ولا تزال عشرة أعمدة باقية في مكانها، وعرفنا أماكن عشرين أخرى؛ وتقرأ هذه المرسومات فتجد أن الإمبراطور يوافق على العقيدة البوذية بحذافيرها، ويطبقها في شأن من شئون الناس هو آخر ما تتوقع لها أن تطبق فيه وأعني السياسة؛ وشبيه بهذا أن تعلن إمبراطورية حديثة فجأة أنها صممت منذ الآن فصاعداً أن تتبع المسيحية في سياستها.
وعلى الرغم من أن هذه المرسومات بوذية العقيدة، فهي لا تبدو لنا دينية خالصة؛ فهي تفرض وجود حياة آخرة، وبهذا ترى كيف أنه لم يلبث تشكك بوذا أن زال ليحل محله عند أتباعه إيمان، لكنها إلى جانب ذلك لا تورد في نصوصها عبارة تدل على العقيدة بإله مشخص، بل لا تذكر الله في نصوصها إطلاقاً (٣٢)، كلا، ولا هي تذكر كلمة واحد عن بوذا؛ فهذه المرسومات لا تعنى باللاهوت؛ فمرسوم "سارنات" يطالب الناس بالسير على مقتضى قواعد الدين، ويضع عقوبات لمن يشقون عليها عصا الطاعة (٣٣)، أما سائر المرسومات فهي لا تنى تذكر مرة بعد مرة ضرورة التسامح الديني؛ فعلى المرء أن يحسن إلى كهنة البراهمة كما يحسن إلى كهنة البوذيين سواء بسواء؛ ولا ينبغي لأحد أن يسيء بالقول إلى عقيدة من العقائد؛ ويعلن الملك أن كل أفراد شعبه هم بمثابة أبنائه الذين يحنو عليهم، فهو لن يفرق بينهم بسبب اختلافهم في العقيدة (٣٤)، فهذا هو "مرسوم الصخر" رقم ١٢ يتحدث بما يكاد أن يكون معاصراً لنا من حيث سداد رأيه:
"إن جلالة الملك المقدس الرحيم يقدم إجلاله للناس من شتى المذاهب، سواء في ذلك الزاهدون أو أصحاب الأسر، وهو يقدم إجلاله هذا بالهدايا وغيرها من مختلف ألوان التوقير.