للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الألف عدا، تختلط فيها الأجسام وتضطرب اضطراباً لا نجد له ما يبرره إلا قولنا إنه هو الحياة. ذلك أن هذا الرجل الذي كان يبتعد عن الجماهير ويبغضها، يواجهها في كل مكان، ويصورها تصويراً صادقاً دقيقاً غاية في الصرامة. ويبدو أنه كان قليل الاهتمام بالأفراد؛ وإنه إذا رسم صوراً لهم فإنما كان يقصد بذلك كسب العيش صراحة. وكان يرى الإنسانية جملة، ويفسر الحياة والتاريخ على أنهما كتل من الخلائق البشرية تكافح، وتنافس، وتحب، وتستمتع، وتعذب، طابعها الرجولة والجمال، مريضة ومعقدة، ناجية أو معذبة. وكان يغطي بصوره قطعاً من قماش الرسم ذات حجم مروع في كبره، لأن هذه السعة وحدها هي التي كانت تفسح له المجال ليصور ما يشهده. ومع أنه لم يكن يتقن أصول فن التصوير، كما يتقنها تيشيان، فإنه قد استخلص لنفسه الطريقة التي رسم بها هذه الصور الضخمة، وإليه يرجع أكبر الفضل في روعة الحجرات التي في قصر الأدواج، لهذا لا ينبغي لنا أن نطلب إليه رقة الصقل أيا كان نوعها، فهو في فنه خشن، فج، سريع، يخلق أحياناً منظراً بضربة واحدة من فرشاته. على أن خطأه الحقيقي ليس هو خشونة السطح- لأن السطح الخشن ذاته قد ينير ما ينطوي عليه الرسم من معنى-، أما هذا الخطأ فهو العنف المسرحي لما يختاره من الأحداث، وثوران أهوائه ونزواته ثوراناً سقيما، والكآبة التي يغرق فيها الحياة كما يصورها، وتكرار صور الجماهير تكراراً متعبا مملا. لقد كان تنتورتو مفتتناً بكثرة العدد، كما كان ميكل أنجيلو مفتتناً بالأشكال، وروبنز Rubens، مفتتناً بالأجسام. ولكن ما أكثر ما نجده في هذه الكثرة نفسها من دقائق وتفاصيل عظيمة الدلالة، وما أعظم ما نجده من دقة ونفاذ في الملاحظة، ومن تنوع وانفرادية في الأجزاء لا ينضب لهما معين، وواقعية جريئة حيث لم نكن نجد قبل إلا خيالا وعاطفة!

وآخر ما نشعر به ونحن نقف أمام هذه الصور هو الاستجابة لها