خضع لجريجوري في كانوسا (سنة ١٠٧٧)، وبعد قرن من ذلك الوقت أذل إمبراطور أعظم منه قوة هو فردريك بربروسيا نفسه أمام بابا أضعف من جريجوري هو إسكندر الثالث بعد عناد طويل ومقاومة لم تجده نفعاً، وفي عام ١٠٩٨ رفع البابا إنوسنت الثالث سلطان البابوية ومقامها إلى درجة بدا معها أن المثل الأعلى الذي كان يطمح فيه جريجوري وهو أن تكون الكنيسة صاحبة السلطان الأعلى على الدول من الناحية الخلقية-بدا أن هذا المثل قد تحقق إلى حين.
لكن هذا الحلم اللذيذ قد تحطم على صخرة الطبيعة البشرية. ذلك أن المشرفين على السلطة القضائية البابوية قد أثبتوا أنهم من طينة البشر وأنهم متحيزون جشعون بل نهمون يبتزون الأموال، وأن الملوك والشعوب كانوا أيضاً بشراً مثلهم يرفضون الخضوع لسلطة أمتهم. وبعثت الثورة فرنسا المضطردة النماء في قلوب بنيها الكبرياء والحرص على السيادة القومية، فقام فليب الرابع يتحدى سلطان البابا بوني فاس الثامن على أملاك الكنيسة وكلل هذا التحدي بالنجاح، وزج مندوبو الملك بالبابا الكبير السن في السجن في اتبان حيث قضى ثلاثة أيام لم يلبث بعدها أن وافته المنية (١٣٠٣). وهنا وفي تلك الساعة بدأ الإصلاح الديني من إحدى نواحيه الأساسية-وهي خروج الحكام المدنيين على سلطان البابوات.